شارك معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور/ نزار بن عبيد مدني في فعاليات الاجتماع عالي المستوى لمركز الملك عبدالله الدولي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات ، وعقدت فعاليات الاجتماع يومي 26 و27 فبراير الجاري حيث تم خلالها تأسيس أول منصة للحوار بين الأديان يشمل تأثيرها كافة منطقة الشرق الأوسط.

     كما صادقت 23 شخصية دينية بارزة في المؤتمر على العمل المشترك ضمن هذه المنصة، وتقديم مساهماتهم الرامية إلى رفع الأضرار الناجمة عن لغة التطرف والعنف وسوء الاستخدام في العالم العربي.

https://www.kaiciid.org/interreligious-platform-dialogue-and-cooperation-arab-world-founding-document

https://www.kaiciid.org/news-events/news/muslim-christian-religious-leaders-launch-first-interreligious-cooperation-and

     وتنطلق المنصة المذكورة كهيكل تعاون بين المسيحيين والمسلمين، لكنها ستكون مفتوحة أمام بقية الأديان، وتهدف إلى جمع الزعماء الدينيين رجالاً ونساءً في منطقة الشرق الأوسط مع بعضهم بانتظام لدراسة الخطط والمبادرات الموضوعة والاتفاق بشأنها والعمل على تنفيذها.

     وأكد الأمين العام لمركز الملك عبد الله للحوار  الأستاذ/ فيصل بن عبد الرحمن بن معمر على سوء استخدام الدين لمدة طويلة لتبرير العنف والمعاناة، مضيفاً بأن تأسيس هذه المنصة اليوم سيسمح للزعماء الدينيين بالقول "كفى، لأننا نريد من القوة الدينية أن تكون جزءاً من الحل، وليس جزءاً من المشكلة".

     وأضاف أن المنصة سوف تُركّز اهتمامها على المواضيع الحساسة مثل أخطار الراديكالية والإرهاب وترى نفسها وسيطاً ورابطاً بين الساسة والمجموعات الدينية ، وأنه سيتم تشكيل هيئة عليا تضم مجموعة من خبراء الحوار تقوم في المستقبل باختيار الاختصاصيين وتهتم بتدريبهم، كما سيتم تطوير المواد التعليمية الخاصة مع الاهتمام بصورة خاصة بقنوات وسائل التواصل الاجتماعي من أجل جذب جيل الشباب إلى مفهوم الحوار وذلك باستخدام الطرق التي يفضلها الشباب كالألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو، وسيكون مركز الملك عبد الله للحوار في كل ذلك داعماً ويضع كافة البنى التحتية الضرورية تحت التصرف ، حيث وضعت منصة الحوار خطة عمل تنص على التبادل المنتظم للمعلومات مع المسئولين السياسيين داخل وخارج المنطقة بواسطة اللقاءات.

     واستطرد الأمين العام أن من مجالات العمل الأخرى تقديم المشورة للمشرعين في إعداد البرامج الدراسية ودعم المنظمات الأهلية المحلية الداعية إلى الحوار السلمي وتنظيم الاحتفالات والمناسبات الثقافية والدينية المتبادلة. كما سوف يُقدّم الدعم لـ 20 مبادرة أهلية محلية سنويا مع الاهتمام بصورة خاصة بالشباب من الجنسين.

     واسترجع الأمين العام الجهود المتواصلة والمبذولة في هذا الشأن بدءً من أول قمة عُقدت في فيينا عام 2014 بعنوان "متحدون بواسطة الأديان ضد العنف" الذي قرر خلاله الزعماء الدينيون العرب المشاركون في القمة تجميع جهودهم وقواهم والوقوف بحزم ضد العنف، وأصدروا بياناً نددوا فيه بشدة استخدام العنف استناداً على الدين ، وبعد ذلك تم تنفيذ أنشطة أخرى في أربعة مجالات عمل هي: وسائل التواصل الاجتماعي، والتعليم، والمصالحة والتلاحم الاجتماعي، وتعزيز وتقوية الحوار بين الأديان ، وقام مركز الحوار منذ ذلك الوقت بتدريب وتأهيل أكثر من 400 ممثل ديني شاب من كل من مصر والعراق ولبنان والمغرب وسورية وتونس، والمشاركون من الجنسين ينشطون منذ ذلك الوقت في مبادرات حوارية وسلمية ذاتية، وسوف يظهرون بقوة في المستقبل في وسائل التواصل الاجتماعي ويدعون للحوار ، وإنشاء مركز الحوار أول شبكة ربطت بين كليات الدراسات الدينية في الجامعات العربية.

     وقد شارك العديد من قادة الأديان والحوار ، وشخصيات رفيعة المستوى في فعاليات الاجتماع كمتحدثين ومشاركين .

https://www.kaiciid.org/what-we-do/interreligious-dialogue-peace-promoting-peaceful-coexistence-and-common-citizenship

https://www.kaiciid.org/news-events/news/global-kaiciid-conference-concludes-hundreds-religious-leaders-jointly-affirm

      وكان معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور/ نزار بن عبيد مدني قد ألقى كلمة خلال المؤتمر هنأ فيها معالي أمين عام المركز ومنسوبيه ومجلس الأطراف ومجلس الإدارة بمناسبة مرور خمس سنوات على إنشاء هذا الصرح المهم الذي شهد خلالها جهوداً متميزة للتقريب بين الشعوب والثقافات من خلال الندوات والمؤتمرات وورش العمل التي غطت أكثر من عشرين دولة حول العالم ، وبارك للمركز حصوله على جائزة منظمة مبادرة الأديان المتحدة الإفريقية (URI) تقديراً لمساهمته في إحياء منتدى الاتحاد الإفريقي للحوار بين أتباع الديانات، ولجهوده المميزة في مجالات تعزيز الحوار بينهم.

     مبدياً معاليه سروره بالمشاركة في لقاء "الاتحاد لمناهضة العنف باسم الدين" في دورته الثانية، التي خصصت لبحث موضوع "احترام التنوع وتعزيز التعايش تحت مظلة المواطنة المشتركة" ناقلاً من أرض السلام ... من المملكة العربية السعودية التي انطلقت منها مبادرة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات منذ أكثر من عقد من الزمان، تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين، الساعيان بكل جهد وإخلاص لأن ينعم العالم بالأمن والوئام والسلام والاستقرار، ولأن تسود قيم الحق والعدل والمساواة والتسامح والأخوة الإنسانية كافة أرجاء المعمورة.

     وأوضح معاليه أن هذا الاجتماع يؤكد على عالمية القيم الإنسانية التي دعت إليها جميع الديانات والمعتقدات، وللتأكيد أيضاً على أن استخدام الدين، أي دين، لتبرير العنف بكافة أشكاله هو خطيئة كبرى، وعلى أن ربط العنف والإرهاب بدين معين هو خطيئة أكبر، وأن الرسالات السماوية الخالدة التي جاءت بها الديانات، وعبرت عنها مختلف الثقافات، تتفق جميعها على تجريم كل فعل يضر بالإنسان، أياً كانت عقيدته أو جنسيته أو عرقه، ودعا معاليه إلى أن يتبنى المؤتمر التوصيات اللازمة التي تتناسب مع أهمية قضية تعزيز التنوع والمواطنة المشتركة، في ظل تصاعد العنف والتطرف والإرهاب، وربط ذلك بالديانات وأتباعها، ونحن على يقين بأن القيادات الحاضرة والمشاركة في هذا الاجتماع قادرة على تشخيص هذه القضايا وطرح الأفكار حول وسائل وسبل علاجها والقضاء عليها.

     مشيراً إلى حجم الأخطار المحدقة بعالمنا المعاصر من جراء انتشار الأفكار المتطرفة التي تدعو إلى الكراهية والإقصاء، وتتبنى التحريض العنصري واستفزاز العاطفة الدينية والطائفية، مذكِّراً أن مثل هذه الأفكار هي التي تولد العنف، وأن العنف بدوره هو الذي يقود إلى الإرهاب، وذلك في حلقات متواصلة ومرتبطة بعضها ببعض، لذلك فإن التغاضي عن مواجهة ممارسات التطرف والعنف باسم الدين، أو التساهل معها تحت أي ذريعة من الذرائع من شأنه المساعدة على انتشارها واستفحال خطرها ، واستطرد معاليه أن ما يزيد في خطورة هذا الأمر هو أن المواجهة مع هذه الأفكار والممارسات تختلف في عالم اليوم اختلافاً نوعياً عما كان عليه الحال في عالم الأمس، حيث من الملاحظ أن التطرف والممارسات الداعية إلى العنف باسم الدين أصبحت اليوم تتمدد وتنتشر عبر عالم افتراضي استطاع من خلاله أن يتجاوز الحدود بدون تأشيرات، وتمكن من أن يفتتح فروعاً له في كافة دول العالم بدون تراخيص عمل، إن تغريدة واحدة عبر مئات الحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت توازي في قوتها وسرعة انتشارها مالا يحصى من أعداد المنصات الدينية التقليدية.

     ودعا معاليه لمواجهة ذلك بتكريس الدعوة إلى احترام الآخر، وتفهم سنة الخالق عز وجل في الاختلاف والتنوع والتعددية، والعمل على تعزيز قيم السلام والوئام، وعلى نشر ثقافة التواصل الحضاري، وثقافة تبادل المحبة والاحترام الإنساني والأخلاقي، وثقافة الإيمان بالتنوع والاختلاف البشري، وثقافة التسامح والتعايش، ومواجهة الأصوات الداعية إلى صدام الحضارات والمتبنية لنداءات الكراهية والعنصرية بكل عزيمة وتصميم وإصرار، واستنفار القيادات والمؤسسات الدينية والفكرية ذات العلاقة والتأثير لكي تكون هي رأس الحربة في مواجهة الانحرافات الفكرية التي تتخذ من الدين مظلة لها، فتقصى كل مخالف لأفكارها دون أن تقيم أي اعتبار أو وزن للآخرين.

     وأضاف معاليه أنه في الوقت الذي لا ينبغي فيه الاكتفاء بمجرد الشجب والاستنكار وإعلان البراءة من هذه الممارسات والأفكار، فإنه يجب علينا أن ندرك تمام الإدراك أن لغة القوة الصلبة في مواجهة صراع الأفكار والثقافات كثيراً ما تعود بالخسارة المادية والمعنوية .. هذا إذا لم تزد في تعميق وتعقيد الصراع والصدام، لذلك فلا بد لنا من اللجوء إلى لغة القوة الناعمة .. لغة الحكماء والعقلاء والمعتدلين .. التي تؤمن بأن الأفكار لا تواجه إلا بالأفكار، وبأنه لا بد من اللجوء إلى نفس الوسائل والأدوات العلمية والتقنية التي تستعملها تلك التيارات.

      موضحاً معاليه أن المملكة العربية السعودية لم تغفل في يوم من الأيام عن هذه المخاطر وتلك التحديات، فلقد سعت دوماً من خلال مسيرة التنمية والرؤى الاستشرافية المستقبلية إلى تطوير حاضرها وبناء مستقبلها، متخذة الوسطية سبيلاً، والاعتدال نهجاً، والحوار والتعايش أسلوباً للحياة .. معتزة بثوابتها الوطنية وقيمها الإنسانية النبيلة، ولقد عبر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه - عن ذلك أبلغ تعبير حين قال في إحدى المناسبات: "إنه لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً، وليستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لتحقيق أهدافه" مضيفاً أن المملكة العربية السعودية، ومنذ أن أسسها الملك عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، تسعى لدعم السلام العالمي في كل مكان، ولاحترام كرامة الإنسان النابعة من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف دين السلام والمحبة والعدل والتسامح والمساواة، دين الحضارة والعلم والخلق القويم، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فإن المملكة العربية السعودية لا تزال تواصل أدوارها الريادية والحضارية على الصعيد الدولي في ترسيخ التعايش والتسامح في ظل المواطنة المشتركة، عبر تعزيز جهودها لحفظ الأمن والسلم الدوليين، والحرص على تفعيل المبادرات الإنسانية المؤسسية الداعمة لبناء السلام بالدرجة الأولى، ونشر ثقافة الحوار والتسامح بين الشعوب والأمم، ولخير البشرية جمعاء دون تمييز أو تفرقة ، وأنه ما زالت المملكة العربية السعودية، وستظل، تتطلع إلى تعزيز وتكثيف الجهود الدولية مع الحلفاء والأصدقاء لمواجهة نزعة التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتأجيج الفتن الطائفية، وزعزعة الأمن والاستقرار الدوليين، ومكافحة الإرهاب، حتى يتم تجفيف منابعه واجتثاثه من جذوره ، وبوصف المملكة العربية السعودية عضواً فاعلاً في الأسرة الدولية، فهي شاركت، ولا تزال تشارك، بفاعلية في مجال التنمية الدولية والإغاثة الإنسانية، وتؤدي واجبها الإنساني بجهود لافتة، تخفيفاً لمعاناة المحتاجين جراء الكوارث الطبيعية، أو بسبب الحروب، وذلك من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي يكرس جهوده لتحقيق رسالة المملكة الإنسانية في هذه المجالات.

     وعبر معاليه عن خالص شكر وتقدير حكومة المملكة العربية السعودية إلى حكومة جمهورية النمسا على احتضانها لهذه المنارة الحضارية (مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات) في قلب مدينة فيينا ، واصلاً شكره وتقديره لحكومة مملكة أسبانيا على تعاونها المثمر الذي مكن لفعاليات هذه المنارة الحضارية من ترجمة الرؤى الإنسانية النبيلة إلى واقع ملموس، وإلى شركاء النجاح اليوم، من دولة الفاتيكان مؤسساً مراقباً، والقيادات الدينية من مختلف الأديان والثقافات، الذين دعموا هذه الرؤى الإنسانية، وارتضوا تحمل المسؤولية لترسيخ الحوار وتعزيز التعايش في ظل المواطنة المشتركة.

     آملاً في ختام كلمته أن يترجم هذا اللقاء الدولي الذي يجمع هذه القيادات الدينية رفيعة المستوى أهدافه المنشودة، وأن ينجح في ابتكار وسائل وأساليب وأسس جديدة تساير الزمن وتتماشى مع التطورات تُبنى على أساسها صروح التعايش السلمي في المجتمع الإنساني العالمي، وأن يضاعف المركز إسهاماته لبناء السلام وتعزيز منظومة أخلاقية وإنسانية مشتركة.