السيد الرئيس
أتشرف بالتحدث إليكم اليوم بالنيابة عن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.
لقد وقعت في الآونة الأخيرة العديد من الأحداث المؤسفة التي تجافي الضمير ولا يقبلها اي دين او معتقد حصدت ارواح الابرياء وهُدمت فيها دور العبادة وانتُهكت المقدسات والرموز الدينية، وعززت دعاوي التمييز القائم على المعتقد والممارسة الدينية، مهددة التعايش السلمي ومخلفة تداعيات خطيرة على الامن والسلم الدوليين.
ان منظمة التعاون الاسلامي تندد وبأقوى العبارات التمييز القائم على المعتقد والممارسة الدينية بكل أصنافه وتجلياته بما فيها جميع الأشكال أو الأقوال أو الأفعال التي تحرض على الكراهية ومعاداة السامية والاسلاموفبيا وجميع ما يتصل بذلك من تعصب وتطرف وعنف.
السيد الرئيس،
إننا نكرر إدانتنا للهجمات الارهابية في باكستان، ولبنان، ونيجريا، وفرنسا وما صاحبه من أعمال ارهابية، فجميعها جرائم نكراء يرفضها الاسلام ويجرمها ولا يمكن أن يكون لها أي مبرر في أي دين أو معتقد. كما أننا نراقب بقلق شديد تزايد جرائم الكراهية ضد الأقليات المسلمة في العالم، وتحميلها مسؤولية ما يفعله بعض المتطرفين بشكل جزافي.
السيد الرئيس،
إن معاداة السامية والاسلاموفوبيا وجميع جرائم التعصب الديني والكراهية لا يتجزأ، ولا يمكننا التصدي لأي منها دون سواها؛ ولا بد من العمل لمعرفة الأسباب الجذرية لتفشيها ومواجهة الأفكار المتطرفة التي تغذيها، وهنا أود أن أؤكد على عدة نقاط هامة:
- أن تاريخ الحضارة الإسلامية يوضح أنه شهد أرقى نماذج التعايش السلمي بين مختلف الاديان والاعراق وخاصة بين المسلمين واليهود، بل ان البلاد الاسلامية كانت ملاذا آمنا لليهود الذين طردوا وهجروا في حقبات مختلفة من التاريخ.
- إن معالجة ظاهرة ترويع الابرياء والعمل على عزل الجماعات الارهابية يتطلب تبني استراتيجية حوارية مشتركة تفند تلك المزاعم وتدحضها، وان كل من يروج الى فكرة العداء "الفطري" بين الاديان هو شريك للمعتدين والارهابيين.
- ان التصدي لسياسات وممارسات الاحتلال والاستيطان عبر الوسائل الشرعية القانونية السلمية لا يمكن بأي حال من الاحوال اقحامه زوراً ضمن معاداة السامية، بقصد اسباغ الشرعية الزائفة على تلك السياسات وتهديد وترويع من يتصدى لها، بل إن الاحتلال في حد ذاته معاداة للسامية وهو انتهاك لكل المعايير الانسانية وحقوق الانسان.
- إن تفاقم الازمات السياسية والارتكاسات الاقتصادية وسياسة المقاييس المزدوجة التي تنتهجها بعض الدول، ورعاية مصالح الأقوياء دون اعتبارات لتحقيق العدل والانصاف كل ذلك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بازدياد وتيرة الكراهية والعنف والتطرف والإرهاب.
السيد الرئيس،
تسعى منظمة التعاون الاسلامي إلى المساهمة بشكل فاعل في مواجهة بث الكراهية وممارسات التطرف العنيف ودعم سبل الحوار وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، وما يرتبط بذلك من العمل على تحقيق الأمن والسلام وذلك عبر دعمها للعديد من المبادرات، ومن أهمها مبادرة السلام العربية التي سعت إلى تحقيق سلام عادل وشامل بين اسرائيل والدول العربية، ومبادرة الحوار التي اطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز التي تهدف إلى تعميق قنوات التواصل بين أتباع الديانات والثقافات والحضارات جميعاً، والذي نتج عنها تأسيس مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات بالمشاركة مع مملكة أسبانيا وجمهورية النمسا في فيينا؛ وكذلك المشاركة في تحالف الأمم المتحدة للحضارات الذي ترأسه بصورة مشتركة تركيا واسبانيا، فضلاً عن تبني قرار مجلس حقوق الإنسان 16/18 والقرار الموازي له في الجمعية العامة حول "مكافحة التعصب والقولبة النمطية والسلبية والوصم والتمييز والتحريض على العنف وممارسته ضد الناس بسبب دينهم او معتقدهم "، والانخراط في "عملية إسطنبول" لمتابعة تنفيذه، بالاضافة الى قرار الجمعية العامة ذا الرقم ٦٨/١٢٧ الذي تقدمت به جمهورية ايران الاسلامية حول "نحو عالم ينبذ العنف والتطرف العنيف".
السيد الرئيس،
إن ما تعرض له اليهود من اضطهاد وكراهية في أوروبا لا يبرر ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من اضطهاد وحرمان من حقوقهم الشرعية، والعدوان على الفلسطينيين هو في حد ذاته ضرب من ضروب معاداة السامية.
السيد الرئيس،
ان السبيل الوحيد للخروج من أزمة ازدياد الكراهية والتطرف العنيف ومعاداة السامية والاسلاموفبيا هو عبر الوصول الى بناء تفاهم مشترك استناداً على استحقاقات العدل والانصاف ليكون ذلك جوهراً للأمن والسلام المستدامين.
وشكرا لكم