السيد الرئيس،،،
أتقدم إليكم أولاً بخالص التهنئة على توليكم
مهام رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر وعلى ادائكم المتميز في قيادة أعمال المجلس
ومداولاته حول العديد من القضايا الهامة التي تناولها خلال هذه الفترة.
كما أشكركم على عقد هذه المناقشة المفتوحة
حول موضوع الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وإن مما يبعث على الألم أن تأتي
مناقشاتنا حول هذا الموضوع في وقت يغيب فيه الأمن والسلم عن كثير من بقاع الأرض في
الشرق الأوسط وفي أفريقيا وأوروبا وآسيا وغيرها من الأماكن.
السيد الرئيس،
لئن كان النظام العالمي الجديد الذي تأسس في
أعقاب الحرب العالمية الثانية والمتمثل في الأمم المتحدة وميثاقها قد أفلح في
تفادي حرب عالمية ثالثة، فإن مجموع الحروب التي خاضها العالم في أماكن متفرقة عبر
السبعين عاماً الماضية يفوق في ضراوته وآثاره وخسائره ما كان يمكن أن ينتج عن حرب
عالمية من دمار، مما يجعلنا نتساءل عما إذا كان هذا النظام والميثاق قد نجح فعلاً
في صيانة الأمن والسلم الدوليين.
وإذا أمعنا النظر في منطقة الشرق الأوسط
فإننا نجد أن العقود السبعة الماضية قد شهدت ما لا يقل عن خمسة عشر حرباً، كان
معظمها مرتبطاً بشكل أو بآخر بالقضية الفلسطينية، ومازالت بعض هذه الحروب تخيم
بآثارها على المنطقة حتى يومنا هذا.
السيد الرئيس،
إن الدارس لواقع المنطقة وما شهدته من حروب
لابد أن يستخلص النتائج التالية:
أولاً: أن المجتمع الدولي، متمثلاً في مجلس
الأمن، قد أخفق في منع الإحتلال وفي إزالته. ولذلك، مازلنا نشهد واقع حرمان الشعب
الفلسطيني من تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وفقاً لقرارات
الشرعية الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة وعجزت عن فرضها وتطبيقها، الأمر الذي
أدى إلى نشوب العديد من النزاعات المسلحة في المنطقة.
ثانياً: إن المجتمع الدولي، قد أخفق في حماية
الشعوب من المجازر التي تُرْتَكَب بحقها من قِبَل سلطات فقدت شرعيتها، ولقد كانت
رواندا مثالاً فاضحاً على العجز والشلل في مواجهة أحداث مروعة كانت ومازالت تشكل
عبئاً على الضمير العالمي. وكذلك الحال ما نشاهده اليوم في سوريا، حيث تستمر
عمليات القتل والترويع ضد أبناء الشعب السوري وباستخدام الطائرات والصواريخ
والغازات السامة والحصار والإبادة والتهجير دون أن ينجح المجتمع الدولي في تحقيق
إختراق يذكر على صعيد المساعدات الإنسانية فضلاً عن التسوية السياسية المنصفة.
ثالثاً: إن المجتمع الدولي قد أخفق في معالجة
الأخطار التي أخذت اشكالاً وقوالب جديدة مثل خطر الإرهاب الدولي، وأن محاربة هذه
الظاهرة قد إتخذت في كثير من الأحيان شكل حلول مرحلية وإقليمية لم تتعامل مع كون
الإرهاب ظاهرة عالمية إذا اختفت في مكان ظهرت في مكان آخر، وأن الإرهاب مسألة
فكرية فضلا عن كونها قضية أمنية.
رابعاً: إن المجتمع الدولي لم يتمكن حتى الآن
من وضع الأسس والقواعد الكفيلة بمساعدة البلدان على تخطي مرحلة ما بعد الحروب
والإضطرابات، فوجدنا بلداناً مثل ليبيريا وسيراليون تعاني من التأرجح بين حالات
الحرب والسلم، وبلداناً مثل أفغانستان وليبيا تسقط في أتون الصراع الداخلي بعد
إنتهاء مراحل سابقة من الصراع، وهكذا.
خامساً: أن التكلفة الباهظة التي ترتبت على
هذه الأوضاع سواء في الأرواح أو في الممتلكات أو الفرص الضائعة وأزمات الجوع
والأمراض والأجيال الضائعة المترتبة عليها شكلت ومازالت تشكل أعباءً هائلة
واستنزفت موارد طائلة لو أنها وجهت نحو التنمية والبناء والقضاء على الفقر والجهل
والمرض لكان عالمنا اليوم أكثر أمناً وإستقراراً ورخاءً.
السيد الرئيس،
إن المملكة العربية
السعودية من منطلق كونها دولة مؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة ومن أوائل الموقعين على
ميثاقها وتفخر بإلتزامها به، قد حرصت دوماً على المشاركة في كل جهد ومسعى من شأنه
أن يُسهم في حفظ الأمن والسلم الدوليين، ويرتقى بأداء هذه الهيئة الدولية ويقربها
أكثر نحو الأهداف والغايات النبيلة التي نص عليها ميثاقها ونتطلــع جميعاً لبلوغها
وإدراكها. إننا ما زلنا عند إعتقادنا الراسخ أن قدرة الأمم المتحدة على القيام
بمهامها ترتبط أساساً بمدى توافر الإرادة السياسية لأعضائها لوضع تلك المبادئ موضع
التنفيذ الفعلي، وما يستدعيه الأمر من تحديث وتطوير للأجهزة الرئيسية للأمم
المتحدة لجعلها أكثر تمثيلاً وملاءمة للمستجدات والمتغيرات التي شهدتها الساحة
الدولية على إمتداد الحقبة المنصرمة من تاريخها.
السيد الرئيس،
قبل قليل إستمعنا إلى مندوب إسرائيل وهو يتعامل مع هذا الموضوع الحيوي
بسخرية وصلف وإستهزاء ورأينا كيف منح لنفسه الحق في توزيع المناصب والجوائز
الأوسكارية يمنة ويسرة، ونسي أو تناسى مقدار السخرية المتناهية في تولي إسرائيل
منصباً في لجنة إزالة الإحتلال وإسرائيل هي المحتل الأول بلا منازع، ونسي أن
يستكمل توزيع جوائز الأوسكار المزعومة التي راح يوزعها وكان عليه أن يمنح إسرائيل
جائزة الأوسكار في أفلام الرعب والقتل التي مارستها في غزة وقانا ودير ياسين
وصابرا وشاتيلا وبحر البقر وغيرها، وجائزة الأفلام الوثائقية المزورة عندما
تَدَّعي لنفسها حقوقاً مزعومة في القدس الشريف والخليل وأراضي فلسطين العربية،
وجائزة أسوأ ممثل عندما يخرج مندوبها ليتحدث عن حقوق الإنسان والديمقراطية
والعدالة وبلاده تخترق كل هذه المفاهيم يوماً بعد آخر.
السيد الرئيس،
ختاماً، أود أن أقول أنه علينا قبل أن نربت
على أكتاف بعضنا البعض، ونتبادل التهاني بالذكرى السبعين لهذه المنظمة الدولية، ان
نسترجع جوانب النقص ونمارس قدراً من التواضع والنقد الذاتي الموضوعي، وأن نعترف
بأن هذا النظام بشكله الحالي يظل قاصراً عن تحقيق التطلعات والآمال ومعالجة
القضايا والمشكلات، وأن من أهم ما نحتاج إليه اليوم هو إعادة النظر في بعض
المفاهيم والمؤسسات، وأن تنطلق نقطة البداية من إدراك أن ما كان صالحاً لعالم
منتصف القرن العشرين لم يعد ملائماً لهذا القرن، وأن منظومة الأمم المتحدة قد
أصبحت في حاجة إلى إصلاح شامل يجدد شابها ويعيد الحيوية إلى مؤسساتها والفاعلية
إلى أجهزتها، وأن من المنطقي أن يبدأ مجلسكم الموقر بالنظر إلى كيفية تطوير أعمال
هذا المجلس والرفع من كفاءته ومصداقيته وشرعية تمثيله.
السيد الرئيس،
إن خرجتم بمثل هذه النتائج، فإن لكم أن
تفتخروا بما حققه هذا اللقاء تحت رئاستكم، وإن مرت هذه المناسبة كغيرها من
المناسبات، فإننا سوف نجد أنفسنا في حلقة مفرغة من النقاش والحوار دون أن تكون
لدينا القدرة على الإقدام على الحل.
شكراً
السيد الرئيس،،،