بيان مجمع الفقه الإسلامي الدولي لحجاج بيت الله الحرام الحج عبادة والتزام وتوحيد الأمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيد المرسلين نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
تزامنا مع توافد حجاج بيت الله الحرام إلى الأماكن المقدسة لأداء فريضة الحج، فإن مجمع الفقه الإسلامي الدولي باسم علماء ألامه الإسلامية وانطلاقا من إيمانه بضرورة إن يؤدي حجاج بيت الله الحرام هذه الفريضة في يسر وسلام وسكينه يحققون بها ما جاءوا من أجله ويعودون بعد انقضائها إلى أوطانهم وديارهم متطهرين من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم يذكر حجاج بيت الله الحرام بما يجب عليه التحلي به من آداب وسلوك أثناء فترة أدائهم للمناسك في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة:
أولا: إن الحاج يجب أن يستشعر قدسية المكان وحرمة الزمان مقبلا على الله تعالى بكل جوارحه ومشاعره، قال تعالى: {ذَلِك وَمن يُعظم حُرمات الله فهو خير له عند ربة} ، وقال تعالى { ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}
ثانياً: يذكر المجمع حجاج بيت الله الحرام أن للحج غايتان:
الأولى: شهود المنافع للأمة وللأفراد والمشاركة فيها.
الثانية: ذكر الله عز وجل في أيام معلومات.
قال تعالى { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق* ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}
ومعنى شهود المنافع للأمة : تحقيق الخير لها في كل مناحي حياتها. وأهم تلك المنافع هو تعبير الأمة عن وحدتها التي تنبئ عن قوتها ، من خلال ذلك المظهر الذي تتوجه فيه القلوب والألسنة بذكر الله راغبة فيما عنده من مغفرة ورضوان ، مجتنبة كل ما يؤدي إلى الفرقة والشحناء والبغضاء التي تضعف من عزيمة الأمة ، وتجعلها هَينة أمام عدوها، فتهتم بقضاياها ، وتحرص على مواجهة ما تتعرض له من مشكلات وتحديات لكن الاهتمام بقضايا الأمة بحثاً وتشاوراً وتعاوناً وإن كان داخلاً في شهود المنافع لا يكون إلا من خلال علماء الأمة ومختصيها ومن خلال الإجراءات المعتمدة والنشاطات المتاحة بعيداً عن زرع الفتن وإثارة الخلافات وترديد الشعارات والإساءة للحرم الأمن والإزعاج لضيوف الرحمن الذي قطعوا المسافات ليذكروا اسم الله في أيام معلومات أو التشويش عليهم بدافع الأهواء الضيقة والمصالح المذمومة
أما ذكر الله في أيام الحج فالغاية منه التربية والإعداد والتوجيه؛ ليكون المسلم ممن شملهم قوله عز وجل : {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى و اتقون يا أولي الألباب}
وقوله صلى الله عليه وسلم :من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه . والمراد بالفسوق في الآية والحديث: الخروج عن حدود الشرع بارتكاب أي فعل محظور. والمراد بالجدال ما كان يجري في زمن الجاهلية بين القبائل من التنازع والتفاخر والتنا بز بالألقاب والتماري والتخاصم.
والغاية من التحذير والنهي عن الفسوق والجدال هي تعظيم شعائر الله وحرماته والوقوف عند حدوده.
ثالثا: ولتحقيق هذه المعاني السامية بين المولى عز وجل أهمية حفظ الأمن في ربوع تلك الأماكن حتى يتم أمر الحج والعمرة في يسر وطمأنينته ، وقد أكد سبحانه وتعالى على هذا بقولة : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وامنا}
وقوله : {أولم نمكن لهم حرما أمنا يجبى إليه ثمرات كل شي رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون}، وقوله تعالى {أولم يروا أنا جعلنا حرما أمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون}، فعلى الحاج أن يعلم ما لهذه الأماكن من قدسية وما يجب عليه تجاهها من إجلال واحترام، وما ينبغي أن يكون عليه من تذلل وخشوع، حتى يتمتع الكل بالأمن والأمان اللذين لا يقتصران على البشر، وإنما يشملان كل ما في الحرم من حيوان وطير وشجر، فمجرد تنفير الصيد أو قطع الشجر يعد تعديا على أمن تلك الأماكن قال تعالى: {يا أيها الذين امنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} ويدل على ذلك ما جاء في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتح ، يا أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام إلى يوم القيامة لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا يأخذ لقطتها إلا منشد. فقال العباس: إلا الإدخر فإنه للبيوت والقبور. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا الإدخر. وقوله لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها فإذا ضيعوا ذلك هلكوا. وقد كان الناس في الجاهلية قبل الإسلام يعظمون الحرم إذا لقي أحدهم قاتل أبيه فيه فإنه لم يكن يتعرض له.
وزيادة في تعظيم شأن الحرم تكفل الله بحفظه ومعاقبة كل من يحاول المساس به والاعتداء على أمنه وأمن أهله وزواره كما أن المولى عز وجل ضاعف فيه الحسنا والسيئات وحاسب فيه على مجرد إرادة السوء. قال تعالى {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلنا للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد نذقة من عذاب أليم}.
رابعاَ: وبناء على ذلك فإن على الحاج أن يعلم أنه يحرم عليه مطلقا الإتيان بأي قول أو فعل يعكر صفو هذا الاجتماع ؛ ويزعزع الأمن فيه؛ ويمنع من تحقق السكينة والطمأنينة، ويلهيه عن التلبة والتهليل والتكبير وحمد الله والثناء عليه، التي لا ينبغي أن تتوقف ألسنتهم عن ترديدها وقلوبهم وعقولهم عن استشعار معانيها وإن في استحداث أي أمر من الأمور المفسدة لحكمة الحج والمخالفة لأحكامه الواردة في قولة صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) يعتبر إبعاداً له عما شرع له ، وصداَ للناس عن القدوم لآدائه، مما يعد من الجرائم المغلظة والبدع المظلة، وقد أوضحت الآية الكريمة التي سبق ذكرها أن الوعيد شامل للصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام.
وليعلم الحاج أن من علامات قبول حجه أن يؤديه في سكينة وطمأنينة وأدب ورفق بنفسه وبالآخرين، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيها الناس، عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع) رواه البخاري وسلم.
خامساً: يجب على الحاج أن يؤثر إخوانه على نفسه ويبتعد عن الظلم والأذى لغيره ويتخلى عن كل مظهر من مظاهر الفرقة والغوغائية والتمييز في المعاملة للعرق أو اللون أو المذهب، فالكل في تلك الأماكن سواء، لا فضل لأحدهم على الأخر إلا بالتقوى. وأن إثارة مثل هذه الأمور تعد من دعاوى الجاهلية التي تؤدي إلى التشاحن والاختلاف والفرقة، ومن ثم التحارب والتقاتل، وكل فعل من هذه الأفعال جدير بأن يبطل الحج، وما جاء الناس للحج ليعودوا محملين بالآثام والذنوب.
سادساً: كما يجب على الحاج أن يلتزم بالتعليمات المنظمة لأمور الحج والتي تهدف إلى تسهيل أمره وتيسرها على الحجاج وهذا ينعكس على الحجاج تيسيراً وسلامة وأمنا وأمانا، وأن أي تعدي على أحد من الحجاج ، وأي إخلال بسلامة الحج وأمنه يعتبر تعدي على حرمة الزمان والمكان وأن على الحاج أن يتذكر ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر، فقال: يا أيها الناس أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام. قال: فأي بلدِ هذا؟ قالوا: بلد حرام، قال: فأي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا. فأعادها مراراً. ثم رفع رأسه فقال: اللهم هل بلغت. اللهم بلغت. قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو الذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته، فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. فعلى حجاج بيت الله الحرام الذين جاءوا من مشارق الأرض ومغاربها قطعوا الآلف الأميال وتركوا الأهل وأنفقوا الأموال أن يضعوا نصب أعينهم قدسية المكان والزمان وحرمتها وأن يؤدوا هذه الشعيرة التي قد لا يتمكنون من العودة إليها بالطريقة المطلوبة شرعاً والتي ورد بيانها في قولة صلى الله عليه وسلم: خذوا عني مناسككم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من الحجاج حجهم وأن يجعلهم حجاً مبرورا وذنباَ مغفوراَ وسعياً مشكورا.
ومجمع الفقه الإسلامي الدولي إذ يثمن غالبا الجهود المباركة الكبيرة التي تبذلها حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدا لله بن عبدا لعزيز آل سعود حفظه الله في تنظيم شؤون الحج وخدمة الحرمين الشريفين والأماكن المقدسة بما يمكن الحجاج والزوار من أداء هذا النسك العظيم بكل يسر وسهولة ليدعو الله سبحانه أن يجزيهم خير الجزاء وأن يبارك في جهودهم ويوفقهم لاستمرار هذا العطاء.
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل
الأستاذ الدكتور/ عبدا لسلام داود ألعبادي
أمين مجمع الفقه الإسلامي الدولي |