حديث مع سفير المملكة العربية السعودية في الرباط

الدكتور محمد بن عبد الرحمن البشر

آليات جديدة لبلورة التعاون الاقتصادي بين المغرب والسعودية

 

 تقــــديم :

رغم أن الدكتور/ محمد بن عبد الرحمن البشر سفير فوق العادة للمملكة العربية السعودية لدى المملكة المغربية. فإنه لا يقدم نفسه كدبلوماسي في الأصل، إذ يقول أنه كان أستاذا جامعيا، ثم عمل في وزارة الزراعة، قبل أن ينخرط في السلك الدبلوماسي كسفير للسعودية في الصين ومنها إلى الرباط. في هذا اللقاء الذي جرى معه في مكتبه بمقر السفارة السعودية، في طريق زعير، بمناسبة اليوم الوطني السعودي يلامس الكثير من القضايا، المرتبطة بالعلاقات الثنائية، وبالعهد الجديد في السعودية وظاهرة الإرهاب، وارتفاع أسعار النفط في أسواق العالم:

 

 

منذ جئتم إلى المغرب، قبل سنة ونصف، ماذا أضفتم إلى الرصيد التاريخي للعلاقات بين المغرب والسعودية؟

هي فعلا علاقات أزلية، وتشكل نموذجا يحتذي به على مستوى التعاون والاحترام والثقة المتبادلة، وأنا في الحقيقة جئت كي أضيف لبنة جديدة إلى هذه اللبنات الكفيلة بتقوية صرح الروابط الكثيرة بين المغرب والسعودية، وأرجو أن يكون التوفيق دائما إلى جانب كل جهد مخلص ويروم الخير لصالح الوطن العربي. وأعتقد أنني اكمل ما سبق أن أسسه من قبل السفراء السعوديون في المغرب، أو السفراء المغاربة في السعودية وما بذلوه من دعم وعطاء. إنها علاقات ثابتة على قواعد وأسس راسخة أساسها القواسم المشتركة التي تجمع بين البلدين. مثل الديانة الإسلامية، والعروبة، ودعم جهود السلام في العالم. من خلال هذه المعطيات يبرز التوافق بشكل واضح.

 

هذا التوافق الذي تتحدثون عنه، هو مؤشر إيجابي، ولكن هل لـه تأثير أو انعكاس على مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين؟

في الواقع بالنسبة لهذا الشق في العلاقات وأقصد به تحديدا الجانب الاقتصادي وحتى لا أكون مبالغا هو دون مستوى الطموح المنشود الذي يتطلع إليه دون شك الشعبان السعودي والمغربي. والواضح أن الفرص متاحة الآن لكلا الجانبين للارتقاء بمستوى العلاقات الاقتصادية نحو الأحسن، ولتصل إلى أفضل ما وصلت إليه الآن، وهي مرشحة فعلا للتطور في المستقبل القريب بحول الله عبر تفعيل آليات جديدة قادرة على بلورة وزيارة حجم التبادل الاقتصادي والتجاري.

 

لا يمكن الالتقاء بكم دون إثارة موضوع التطورات الجارية في المملكة العربية السعودية فما هو أبرز إصلاح أقدم عليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ؟

يصعب الحديث عن إصلاح دون آخر، هي سلسلة من الإصلاحات تصب كلها في خدمة المجتمع العربي السعودي وتضمن أمنه واستقراره ونموه اقتصاديا اجتماعيا وحضاريا. والملك عبد الله وفقه الله كان دائما بجانب الملك الراحل فهد، رحمه الله، وكان بمثابة الساعد الأيمن لـه في جميع الشؤون الداخلية والخارجية، وما قام به في هذه الفترة الوجيزة من إنجازات، هو بالفعل امتداد لما قام به الملك فهد بن عبد العزيز، وكذلك أيضا توسيع وتطوير لما كان يقوم به، هو شخصياً، عندما كان وليا للعهد.

ما هي أوجه الترابط بين الملكين فهد وعبد الله؟

 للمملكة العربية السعودية سياسة ثابتة، مستمدة من تاريخها واستقرارها، ولا تتغير بتغيير الأشخاص. وهذا النهج هو ملمح موجود في المغرب كذلك، وفي الدول ذات الاستقرار. وما يتبقى هو أسلوب التنفيذ فقط، أما الأهداف والمبادئ والغايات فهي ثابتة، وكلها تسعى لتوفير الرفاه والاستقرار والتقدم للشعب. وفي ظل الاستراتيجية التي ينهجها الملـــك  عبد الله، نتوقع الكثير والمزيد إن شاء الله ، في الأفق الزمني القريب.

 

إذن في ضوء هذه الاستراتيجية، ما هي( الأوراش) المتوقع فتحها ؟

امتدادا لما تم من قبل من خطوات حميدة، فإن المتوقع أن يكون هناك دعم قوي للديمقراطية الموجودة حاليا. وثمة ملاحظة لابد من الإدلاء بها، وهي أنه عندما يطرح موضوع الديمقراطية تتوجه الأذهان مباشرة إلى الأسلوب الديمقراطي على النمط الغربي. ولكن الديمقراطية هي أن يعبر الشعب عن رأيه بكل صراحة وصدق ومسؤولية. وهذا هو واقع الحال في السعودية. حيث تتجسد الديمقراطية من خلال منابر واضحة وجلية.إذن فهذا شكل ديمقراطي، ولكن بالأسلوب المتبع ذي الخصوصية السعودية. وقد لا يراها الإنسان الآخرأو يلمسها لأنها غير متماشية في تقييمه مع النمط الغربي السائد في بعض البلدان. ولكن الديمقراطية على أرض الواقع، مجسدة كسلوك وممارسة.

 

ما هو رأيكم في مبادرة الإصلاح في الشرق الأوسط؟

أنا هنا أتكلم بصفة شخصية، فأرى أن كلمة إصلاح لا محل لها. ليس هناك فساد حتى تتم الدعوة إلى تداركه أو الحد منه، الإصلاح موجود، ويمكن تسميته بالتجديد أو التطوير، أو غير ذلك من المسميات. إنه شيء راسخ، والمهم هو العمل على بلورته وتطويره، والارتفاع به إلى مدارج الرقي المنشود.

 

يواجه الإسلام حملة شرسة في الغرب تستهدف ربطه بالإرهاب، ما هو رأيكم في الموضوع؟

الإسلام كما يعلم العالم أجمع، دين محبة وسلام وتسامح وتعايش وتفاهم. دين جاء لخير البشرية، داعيا لعدم التفرقة بين الأجناس، ساعيا لنشر العدل ولحماية النفس من القتل، إلا بالحق، وحفظ المال العام والعرض والدم للإنسان كإنسان، ولكن المشكلة أن بعض وسائل الإعلام، تريد تشويهه لغرض أو آخر، ونتمنى أن تكون هذه الأجهزة قليلة جدا.أما الإسلام فهوى بريء من كل التهم التي تحاول عبثا إلصاقها به، ظلما وتشويها لحقيقته وجوهره.

 

ألا تلاحظ أن الدول الإسلامية تفتقد الاستراتيجية إعلامية موحدة للرد على هذه الحملة الظالمة؟

لا تحتاج إلى استراتيجية إعلامية فقط، تحتاج إلى الكثير من الاستراتيجيات الواضحة والمحددة في مختلف المجالات والتنظير وحده للاستراتيجية، أية إستراتيجية كيفما كانت لا يكفي المهم أساسا هو التنفيذ الحقيقي المنطلق من صفاء القلب والنية الصادقة، وهو وحده الكفيل بالوصول إلى الغاية الموجودة بكل يسر وسهولة.

 

ماذا عن السعودية وحملتها ضد الإرهاب؟

السعودية قدمت الكثير من أجل تجفيف منابع الإرهاب، ولم تدخر أي جهد، ميدانيا، لقطع دابره.عملت كل ما في وسعها من أجل استئصال جذوره والقضاء عليه. وأعتقد أنها أكثر الدول في رأيي الشخصي قدرة وعملا من أجل مواجهة ظاهرة الإرهاب.

ماذا عن دور السعودية في التخفيف من حدة أزمة النفط عالميا؟

أريد أن أوضح : ليست هناك أزمة نفط إطلاقا ، النفط متوفر وبكميات كثيرة وبما يكفي لسد كل الحاجيات.

 

ولكن هناك التهاب وارتفاع متزايد في الأسعار؟

ارتفاع الأسعار لـه أسبابه ومسبباته. المضاربة لها دورها، فهي تدفع في اتجاه رفع سقف الأسعار في الأسواق إلى حدود غير معقولة بناء على توقعات لأحداث سياسية واقتصادية يمكن أن تندلع في لحظة ما، في مكان ما. وهناك أيضا قانون العرض والطلب، الذي يخضع لمدى استهلاك الطاقة والإقبال عليها. وبالمقابل هناك أيضا محاولات كثيرة لتخفيض استهلاك الطاقة عن طريق استخدام البدائل، واللجوء إلى طاقات أخرى، مثل الطاقة الشمسية وغيرها من الابتكارات الحديثة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الدول خطت بالفعل خطوات عملية في هذا المجال، مثل البرازيل واليابان وسواهما. والأبحاث جارية ومستمرة، وقد يكشف لنا العلم يوما ما، ما لا نتوقعه، وما لا يخطر في بالنا على الإطلاق، من المصادر المتجددة للطاقة البديلة.

 

ما هي التداعيات أو المشاعر والآمال التي يثيرها في نفسكم الاحتفال باليوم الوطني السعودي؟

إنه يوم عظيم يثير في النفس الكثير من مشاعر الابتهاج، وفي نفس الوقت يجعلنا جميعا كمواطنين سعوديين نتذكر باني هذه البلاد الملك عبد العزيز، طيب الله ثراه، ونترحم عليه، ونستحضر جليل أعماله. اليوم الوطني مدعاة للوحدة الوطنية، لنكون دائما صفا واحداً، تحت قيادة واحدة، نعمل جميعا بخير وسلام، ونستحضر في البال ركائز القاعدة الأساسية التي بنيت عليها المملكة العربية السعودية، وهي الإسلام والعروبة والسعي للسلام العالمي. والخلاصة أن السعودية ظلت دائما منبعا للخير ولا يأتي منها إلا الخير .

 

المركز الثقافي السعودي في الرباط ، لماذا أغلق أبواب رغم أنه شكل إشراقة جميلة في  مسار العلاقات الثقافية المغربية السعودية؟

 دعني أولا أصحح لكم هذا الخبر، إن المركز الثقافي السعودي، وخلافا لما راج حوله من كلام في بعض المنابر، لم يغلق أبوابه بتاتا. فهو مفتوح في وجه زواره ورواده الباحثين عن المعرفة والمكتبة التابعة له لم تقفل أبوابها وتضم 27 ألف كتاب، هناك فقط ترتيبات إدارية في ضوء انتقال السفارة إلى مقر أوسع، سيستوعب المركز الثقافي أيضا، لدينا غرف زائدة عن حاجياتنا وإعطائها للمسؤول عن النشاط الثقافي الذي - هو أصلا تابع للسفارة- سيتيح له   حيزا مكانيا واسعا يسمح للمركز بمواصلة أنشطته في سهولة ويسر، وبشكل أفضل وأكثر فاعلية وديناميكية.

 

انطلاقا من تجربتكم، ما هي مواصفات الدبلوماسي الجيد في رأيكم؟

 أنا في الأصل لست ديبلوماسيا، لقد بدأت حياتي العملية أستاذا في رحاب جامعة الملك سعود، ثم انتقلت إلى وزارة الزراعة وبعدها انخرطت في العمل الديبلوماسي كسفير لبلدي في الصين. وجوابا على السؤال، أرى شخصيا أن على الدبلوماسي أن يكون ذكيا ودقيقا في دراسة سيكولوجية نفسية الشعوب التي سيتعامل معها في مساره المهني، للاقتراب منها. ومن المؤكد ، إذا توفرت فيه هذه الصفة، أن يلقي الترحاب والمعاملة الطيبة في كل مكان يحل به، وبالتالي سيدخل إلى القلوب ويترتب عن ذلك تحسن في مستوى العلاقات الديبلوماسية. واعتقد شخصيا أنني اجتهدت في هذا السياق عندما كنت سفيرا في الصين، فتعرفت على حضارتها، وعرفت مواطنيها على حضارة بلدي. وها أنا اليوم بين أهلي وإخواني في المغرب وهؤلاء أعرفهم جيدا، لأن ثقافتهم ثقافتي ولغتهم هي لغتي، ودينهم  هو ديني، وسيكولوجيتهم هي سيكولوجيتي، وبالتالي لم أواجه العناء الذي واجهته في الصين.

 

ماذا يبقى في بالكم من صور وذكريات عن المغرب كسفير لبلد عربي شقيق؟

 الكثير، الكثير، مما يطول شرحه والحديث عنه. أنا مولع جدا بحضارة وتاريخ وثقافة الشعوب، وقد أثار انتباهي في المغرب جمال طبيعته وتضاريسه وروافده وأوديته وجباله. وقبل المكان أعجبت بالإنسان المغربي في لباقته وتحضره وكرمه. وعندما تعامله بلطف واحترام تام لكرامته، يعاملك بنفس الأسلوب بكل سخاء. وفي الثقافة آثار انتباهي غنى وتنوع التراث المغربي. ومنذ أن جئت إلى المغرب وأنا أقرأ الكثير من الكتب التي تتحدث عن تاريخه وملوكه وشعبه فتكونت لدي خزانة خاصة به، أعود إليها باستمرار كواحة للراحة،  ومنارة للدراسة والبحث والتأمل.