بسم الله الرحمن الرحيم
نص كلمة
صاحب السمو الملكي
الأمير محمد بن نوّاف بن عبدالعزيز آل سعود
سفير المملكة العربية السعودية لدى المملكة المتحدة وآيرلندا
في الاحتفال الذي تقيمه
سفارة المملكة العربية السعودية في لندن
بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك لعام 1427هـ
ومناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية
الذي يوافق يوم السبت
الأول من الميزان من عام 1385 هـ ش
30 من شعبان 1427هـ
23 سبتمبر 2006م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهُ، والصلاةُ والسلامُ على محمدِ بنِ عبدِاللهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
أخواني الحضور،
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ.
يطيبُ لي أنْ أُرحبَ بكم جميعاً في بيتكم - سِفارةِ المملكةِ العربيةِ السُّعوديةِ لدى المملكةِ المتحدةِ وآيرلندا - في هذاَ اليومِ البهيجِ الذي نحتفِلَُ فيهِ معاً بقُربِ حلولِ شهرِ رمضانَ المباركِ، وبالذكرى السادسةِ والسبعينَ لليومِ الوطنيِّ لبلادِناَ الغاليةِ؛ ذلكَ اليومُ الأغرُّ الذي أنعمَ اللهُ علينا فيهِ باكتمالِ توحيدِ بلادِنا تحتَ راية الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ويُسعدُني، بل يُشرفُني في هاتينِ المناسبتينِ، أنْ أرفعَ - نيابةً عن كلِّ فردٍ منكُم وأصالةً عن نفسي - أسمىَ آياتِ التهاني والتبريكاتِ إلى مقامِ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ؛ الملكِ عبدِاللهِ بنِ عبدِالعزيزِ، وإلى سموِّ وليِّ عهدهِ الأمينِ؛ صاحبِ السموِّ الملكيِّ الأميرِ سلطانِ بنِ عبدِالعزيزِ، وإلى الشعبِ السعوديِّ الكريمِ، وإلى الأُمةِ الإسلاميةِ جمعاء، بمناسبةِ قربِ حلولِ شهرِ رمضانَ المباركِ، سائلاً اللهَ، جلَّتْ قُدرتهُ، أن يجعلهُ شهرَ خيرٍ وبركةٍ وفضلٍ ومغفرةٍ لنا ولكُم ولجميعِ المُسلمينَ.
كما أرفع أسمى آيات التهانيَ والتبريكاتِ لمقامِ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ؛ الملكِ عبدِاللهِ بنِ عبدِالعزيزِ، ولوليِّ عهدهِ؛ صاحبِ السموِّ الملكيِّ الأميرِ سلطانِ بنِ عبدِالعزيزِ، ولكلِّ أفرادِ الشعبِ السعوديِّ الكريمِ، بمناسبةِ ذكرىَ اليومِ الوطنيِ للمملكةِ العربيةِ السعوديةِ.
أيُّها الإِخوة،
ستةٌ وسبعونَ عاماً مرَّتْ منذٌ اختطتْ يدُ القائدِ المُؤسسِ؛ الملكِ عبدِالعزيزِ بنِ عبدِالرحمنِ آلِ سُعودٍ، رحمهُ اللهُ، المرسومَ الملكيَّ الكريمَ الذي أعلنَ اكتِمالَ توحيدِ بلادِنا الغاليةِ تحت اسمِها الذي نفخرُ بهِ جميعاً: المملكةُ العربيةُ السعوديةُ، واعتِمادَ غُرةِ بُرجِ الميزانِ - رمزِ العدلِ والمساواةِ - يوماً وطنياً سنوياً لهذهِ المملكةِ الفتيةِ.
وإنني لا أشكِ، أيها الإخوةُ، في أنَّكُم تُشاطُرونني الرأيَ بأن أَعمارَ الدُّولِ لا تُقاسُ بالسنينَ بلْ بالإنجازاتِ الحضاريةِ التي تتحققُ على أرضِ الواقعِ. ولعلَ منْ نافلةِ القولِ أن أذكُرَ هنا أنهُ مُنذُ ذلكَ اليومِ الأغرِ، وضعَ الملكِ عبدُالعزيزِ، يرحمهُ الله، يدهُ في أيديِ أبناءِ شعبهِ – وهو نهجٌ سارَ عليهِ من بعدهِ أبناؤهُ الذينَ تعاقبوا على المُلكِ – ليُشيّد الجميعُ، بتوفيقِ اللهِ سبحانهُ وتعالىَ ثمَ بتعاضُدِهِم، هذا الصَّرحِ الشَّامخِ لبنةً فوقَ لبنةٍ، وصولاً إلى عهدِ قائدِ مسيرتِنَا؛ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ الملكِ عبداللهِ بنِ عبدِالعزيزِ، أعزه اللهُ.
أيها الإخوةُ الحضور،
لقد تمكنتِ المملكةُ، بفضلِ اللهِ، من تحقيقِ التوازنِ بينَ التطورِ الحضاريِ والعُمرانيِ والاقتصاديِ وبينَ المُحافظةِ على المبادئِ والقيمِ الدينية والأخلاقية التي تُمثِّلُ القاعدةَ الأساسَ للمُجتمعِ السعوديِ. وكثمرةٍ لهذا التوازُنِ الرائعِ، حققت المملكة نهضة شاملة في شتى المجالات التنموية، عززتْ مكانتها بين الدول، وعكستْ تصميمَ القيادةِ وحِكمتَها وإرادتَها، والتلاحُمَ المتينَ القائمَ بينَ القيادةِ والشعبِ، والروحَ الوطنيةَ والشعورَ بالانتماءِ اللذينِ مكّنا الوطنَ من التقدُّمِ في مسيرةِ الخيرِ والنماءِ بكلِّ قوةٍ وثباتٍ.
أخواني،
أنتُم أبناءُ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، وقد رأيتُم بأنفُسِكُم ما تحققَ في بلادِكُم من إنجازاتٍ تنمويةٍ متميزةٍ في شتّىَ الميادينِ كانت، جميعُها، مُنصبةً على رعايةِ المواطنِ السُّعوديِّ وتوفيرِ سُبُلِ العيشِ الكريمِ له، فهوُ يُعدُّ، بحقٍ، عماد الوطن منذُ عهدِ المؤسس ،رحمه الله، وحتىَ يومِنَا هذا.
لقدْ نفَّذت المملكةُ خُططها التنمويةَ بنجاحٍ باهرٍ فاقَ كُلَّ التوقُعاتِ وحققت من خلالها قفَزَاتٍ سريعةٍ نقلتِ المملكةَ إلى مراحلَ متواليةٍ من النموِّ السريعِ.
وفي مجالِ النُهوضِ بواجباتِها الدينيةِ، قامت المملكة بجهود جبارة في مجالِِ خدمةِ الحُجَّاجِ والمُعتمرينَ والزوّارِ، فوسعتِ الحرمينِ الشريفينِ والأماكنَ المُقدَّسةَ الأُخرى، ووضعتِ النُظُم والأطُرَ التي تحكمُ أعمالَ مؤسساتِ خدماتِ الحجِّ والعمرةِ وما يتعلَّقُ بها من خِدماتٍ، وبذلتِ الغاليَ والنفيسَ في سبيلِ الدعوةِ إلى اللهِ ونشرِ تعاليمِ الإسلامِ السمحةِ، وستستمرُّ، بإذنِ اللهِ تعالى، في القيامِ بواجباتِها الدينيةِ التي شرَّفها اللهُ بها.
وفي الجانبِ الاقتصاديِّ، حققتِ المملكةُ نجاحاً كبيراً في بناءِ قاعدةٍ اقتصاديةٍ متينةٍ ومتنوعةٍ، وذلكَ لتنويعِ مصادرِ الدخلِ، وتقليصِ الاعتمادِ على النِّفطِ كمصدر وحيدٍ للدخلِ.
وبتوفيقِ وفضل من اللهِ سبحانهُ وتعالىَ، تعددتْ مصادرُ الدَّخلِ، وتضاعفَ الناتجُ المحليُّ الإجماليُّ غيرُ النِّفطيِّ أكثرَ من أربعِ مراتٍ، وارتفعتْ نسبةُ إسهامِ القطاعاتِ غيرِ النِّفطيةِ في الاقتصادِ السعوديِّ إلى أرقامٍ ونسبٍ عاليةٍ، وأصبحَ الاقتصادُ السعوديُّ من أقوىَ اقتصاداتِ المِنطقةِ وواحداً من أقوىَ خمسةٍ وعشرينَ اقتصاداً في العالمِ. ولعلنا جميعاً نتذكرُ أنَّ السنةَ الماليةَ الماضيةَ شهدتْ أعلىَ ميزانيةٍ في تاريخِ المملكة، كما شهِدتْ إطلاقَ مجموعةِ مشروعاتٍ عملاقةٍ كمشروعِ مدينةِ الملكِ عبداللهِ الاقتصاديةِ، ومشروعاتِ المُدنِ الاقتصاديةِ الجديدةِ في المدينة المنورة و القصيمِ وحائلَ والجبيلِ، ومشروعِ المدينةِ الماليةِ في الرياضِ، ومشروعِ جامعةِ الملكِ عبداللهِ للعلومِ والتِّقَنيَّةِ، وغيرِها من المشروعاتِ التنمويةِ المتنوعةِ الأُخرىَ.
ولا يغيبُ عن الأذهانِ، بشكلٍ خاصٍ، ما يوليهِ خادمُ الحرمينِ الشريفينِ، أيدهُ اللهُ، من اهتمامٍ خاصٍ بالتعليمٍ وأهلهِ وطُلاّبهِ. حيثُ أطلقَ، رعاهُ اللهُ، برنامجَ الملكِ عبداللهِ للابتعاثِ الخارجيِ، لدعمِ مسيرةِ التعليمِ عن طريقِ إتاحةِ الفرصةِ لأبناءِ وبناتِ الوطنِ للنهلِ من شتىَ مصادرِ العُلومِ الحديثةِ والاستفادةِ من تجاربِ الدولِ المُتقدمةِ. وقد شهِدَ هذا البرنامجُ، حتى الآنَ، ابتعاثَ الآلافِ من الطلبةِ السعوديينَ إلى عددٍ من دولِ العالمِ.
ولم يكتفِ، حفظهُ اللهُ، بهذا بل أصدرَ أوامرهُ الكريمةَ بزيادةِ مُخصصاتِ الابتعاثِ بنسبةِ خمسةَ عشرَ بالمائة. وخصَّ أبناءهُ المُبتعثينَ إلى عدد من الدول بمكرمةِ تثبيتِ سعرِ صرفِ العملات الرئيسة مُقابلَ الريالِ.
ولا شكَّ أن هذه القرارات الحكيمةَ إنما تدلُّ على مشاركتهِ، حفظهُ اللهُ، أبناءهُ الطلبةَ همومَهُم، وحرصهُ على دعمِهِم في مُهمةِ التحصيلِ العلميِّ، وسعيهِ إلى تذليلِ الصعابِ التي قدْ تَعترِضُ طريقَهُم. فباسمِكُم جميعاً، أشكرُ لخادمِ الحرمينِ الشريفينِ هذهِ اللفتاتِ الكريمةِ، وأسالُ اللهَ أنْ يحفظهُ ويُسددَ على طريقِ الخيرِ خُطاهُ.
أيها الإخوةُ ،
تعلمونَ أنَّ بلادكُمُ العزيزةَ مرّتْ، وما تزالُ تمرُّ بمراحلِ إصلاحٍ وتطويرٍ مُستمرينِ، بدأتْ منذُ إنشائِهَا وتسارعتْ وَتيرَتُهَا في عهدِ الخيرِ والنَّماءِ؛ عهدِ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ الملكِ عبداللهِ بنِ عبدالعزيزِ، يحفظهُ اللهُ. ويمكنُنَا جميعاً أنْ نُلاحظَ التطورَ الهائلَ في هذا المجالِ والذي يتمثلُ في سنِّ العديدِ من الأنظمةِ، وتطويرِ النُظمِ القانونيةِ الحاليةِ، وإنشاءِ أجهزةٍ ومؤسساتٍ جديدةٍ تهدفُ للارتقاءِ بالفردِ السعوديِّ والمُحافظةِ على حُقوقهِ ومُكتسباتهِ. كما يتمثلُ، كذلكَ، في الانفتاحِ الإعلاميِّ والشَّفافيةِ وتوسيعِ قاعدةِ المُشاركةِ الوطنيةِ وتمكينِ المرأةِ السعوديةِ من المشاركةِ في تنميةِ وطنِهَا ضمنَ الإطارِ الذي ترسُمُه لنا ثوابتُنَا الإسلاميةُ وعاداتُنَا وتقاليدُنَا الأصيلةُ.
وهنا أودُّ أن أؤكِّدَ لكم أنَّ مسيرةَ الإصلاحِ والتطويرِ الوطنيةِ ستستمرُّ، بإذنِ اللهِ تعالى، لأنها نابعةٌ من ضروراتِ ومُتطلباتِ مُجتمعِنَا، وليست نابعةً من نظرياتٍ أو أفكارٍ مفروضةِ علينا من الخارجِ.
وإذا كانتِ المملكةُ قد حققتْ إنجازاتٍ كبيرةً على المُستوىَ الداخليِّ، فإن هذا قد عزَّزَ، بلا شكٍّ، المكانةَ المرموقةَ التي تحظىَ بها على الأصعدةِ العربيةِ والإسلاميةِ والدوليةِ. وهي مكانةٌ بنتهَا المملكةُ لنفسِهَا، عبرَ السنينَ، بتوطيدِ عِلاقاتِهَا مع المجتمعِ الدولي، من خلالِ التعامُلِ الموضوعيِّ المبنيِّ على ثوابتِ دينناَ الحنيفِ وقيمِنَا العربيةِ السعوديةِ الأصيلةِ، وعلى الإسهامِ الإيجابيِّ والفاعلِ في رخاءِ الإنسانيةِ، مع الإدراكِ التامِّ للمُتغيِّراتِ على الساحةِ الدوليةِ ولمفهومِ تَوازُنِ القُوىَ.
ولا شكَّ أنكم تعلمونَ أنَّ سياسةَ المملكةِ الخارجيةَ - منذُ عهدِ مُؤسِّسِهَا؛ الملكِ عبدالعزيزِ، يرحمهُ اللهُ - ترتكزُ على مبادئَ وثوابتَ راسخةٍ مُستمَدةِ من مبادئِ الدينِ الإسلاميِ الحنيفِ والتقاليدِ العربيةِ الأصيلةِ. ومن أهمِّ ملامِحِهَا العملُ على دعمِ التضامنِ العربيِّ والإسلاميِّ، والدفاعُ عن القضاياَ العربيةِ والإسلاميةِ العادلةِ، وخدمةُ الإسلامِ والمسلمينَ في جميعِ أنحاءِ العالمِ، والمحافظةُ على الاستقرارِ والسلامِ العالميينِ، وعدمُ التدخُّلِ في الشؤونِ الداخليةِ للدولِ الأخرىَ، وعدمُ السماحِ للغير، في مُقابلِ هذا، بالتدخُّلِ في شُؤونِهَا.
وأودُ في هذا الإطار أن أشيرَ إلى العِلاقاتِ التاريخيةِ المتينة التي َتربطُ المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة، والتي بُنيتَ , منذُ انطلاَقها , على الاحترامِ المُتَبادل، و تقديرِ ورِعايةِ المصالحِ الإستراتيجيةِ المشتركة. لقد غُرِست بذرةِ هذه الصداقةِ المتينة التي نراها اليوم مزدهرة بين بلدين قبلَ قرابةِ قرنٍ مضى . ففي عام 1915م – وفي بداياتِ توحيدِ وَتأسيسِ المملكة العربية السعودية – وقّعت بريطانيا العظمى معاهدة مع المؤسس، الملكُ عبدالعزيز , تعترفُ فيها بسيادتهِ وحَقَِهِ التاريخي في بلاده . وبعد 12 سنة، أُقيمتْ علاقاتٍ دبلوماسيةٍ بينَ البلدينْ . وقد عَمِلَ البلدينِ – مُنذُ ذلكَ الوقت وحتى يومِنا هذا- على تنميةِ هذهِ العلاقةِ المَتينة من خلالِ التبادلِ الثقافي والاقتصادي، إضافةً إلى التعاونِ والتنسيقِ بينَ البلدينِ في شتى الحقولِ وكافةِ المجالاتِ وعلى كُلِ المُستَوَيات. وبحمدِ الله، فقد تَطَوَرتْ هذهِ العلاقاتِ الخاصةِ ِلتُصبحَ صداقةً متينةً وأصبحنا َشُرَكاء مُتَعاضِدين في رعايةِ السلامِ والرخاء، وما تَواجدكم اليوم هنا، لِتَلقي العلمَ والمعرفة، إلا ثمرة لهذه العلاقات المتينة.
أيها الأخوة،
لقد أضطلعت المملكةُ، وما تزالُ، بدورٍ رئيسٍ وحيويٍ في خدمةِ قضاياَ الأُمَّتينِ العربيةِ والإسلاميةِ المصيريةِ، وعلى رأسِهَا القضيةُ الفِلسطينيةُ التي ساندتهاَ دعماً للشعبِ الفِلسطينيِّ ولِمَطلبهِ العادلِ في إقامةِ دولتهِ المستقلةِ و عاصمتُهَا القُدسُ الشريفُ، والعيشُ بأمنٍ واستقرارٍ.
وفي هذا الجانب فقد تعاملتِ المملكةُ بحكمةٍ وتروٍّ وصدقٍ معَ كلِّ المُستجِدَّاتِ السياسيةِ ولم تهبِط إلى مستوىَ المزايداتِ السياسيةِ والإعلاميةِ التي أراد البعضُ جرّها إليها، بل استمرتْ في القيامِ بواجباتِهَا العربيةِ والإسلاميةِ والدوليةِ، وتدخلتْ، بكل ما لها من ثِقَلٍ ومكانةٍ، في الكثيرِ من القضاياَ العربيةِ والإسلاميةِ، انطلاقاً من واجبِهَا الذي يُمليهِ عليهاَ دينُهَا ومبادئُها الإسلاميةُ.
وكانتِ المملكةُ سباقةً دوماً، إلى مدِّ يدِ العونِ لأشقائِهَا ومساعدةِ أخوانِهَا في كلِّ مكانٍ، لأنها ترى أن هذا واجبُ تفرضهُ أُخُوَّةُ الدينِ الإسلاميِّ والدمِ العربيِّ، وقد قامتْ بهِ المملكةُ على أكملِ وجهٍ، وستستمرُ في القيامِ بهِ ما وسِعها ذلكَ، إنْ شاءَ اللهُ.
مع كلِّ هذا، أيها الإخوةُ ، لم تسلمِ المملكةُ من حقدِ الحاقدينَ ولا من مُزايداتٍ خادعةٍ لا هدفَ لها إلا تضليلُ الشُعوبِ وإشغالُهَا عن قضاياهاَ المصيريةِ.
ولستُ أجدُ مثالاً على هذا أوضحَ مما حدثَ في منطقتنا العربية في الفترةِ الأخيرةِ، حيثُ بادرتِ المملكةُ باتخاذِ موقفٍ صادقٍ وصريحٍ، لا تضليلَ فيهِ ولا خِداعَ، بل استشعرتْ فيهِ مسؤوليتَهَا أمامَ شعبِهَا وأمامَ الشُعوبِ العربيةِ والإسلامية،ِ فبادرتْ إلى إعلانِ موقِفِهَا الشجاعِ والصادقِ الذي أثبتتِ الأيامُ – كما تعلمون أيها الإخوة - صحتهُ ونزاهتهُ وصِدقَ توجُّههِ.
أيه الأخوة،
في كلمةٍ وجَّههَا خادمُ الحرمينِ الشريفينِ إلى المشاركينَ في أحدِ لقاءاتِ الحوارِ الوطنيِ، قالَ حفظهُ اللهُ:
"لا يخفىَ عليكُمْ - وقدِ اجتمعتُمْ في هذا اليومِ المُباركِ لهدفٍ نبيلٍ وغايةٍ شريفةٍ - ما يُحْدِقُ ببلادناَ من أخطارٍ، وما تمرُّ بهِ من ظُروفِ دقيقةٍ حرجةٍ، وما تُعانيهِ من ضُغوطٍ، وما تُواجِهُهُ من هَجْماتٍ شَرسةٍ؛ تمسٌّ العقيدةَ، وتُهدِّدُ الوحدةَ الوطنيةَ، وتُعرِّضُهَا للاختِراقِ من قِبَلِ الأعداءِ، الأمرُ الذي يُوجِبُ على كُلِّ مُخلصٍ منْ أبنائِهَا أنْ يَبذُلَ أقصىَ الجُهدِ والاجتهادِ للتصديِ لمحاولاتِ النَّيلِ منْ وَحدتِهَا والمساسِ بأمنِهَا واستقرارِهَا وتهديدِ مصالِحِهَا، وأنْ يتنبَّهَ كلُّ ذيِ لُبٍّ لعواملِ التنافُرِ والشِّقاقِ وظُهورِ العداواتِ؛ سواءٌ من العصبياتِ القَبليَّةِ والنعْراتِ الإقليميةِ والاختلافاتِ الفكريةِ وأيِّ شكلٍ منْ أشكالِ الغُلوِّ والتطرُّفِ"
انتهى كلامُ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ، حفظهُ اللهُ.
نعم أيُّها الإخوةُ ، لقد استُهدِفَ بلدُنَا من جهاتٍ مُختلفةٍ وبصورٍ مختلفةٍ أيضاً، ولكنَّ أمرَّ ما رأيناهُ هو ما قامت به فئةٌ ضالةٌ، من أبناءِ وطنناَ، من ارتكابِ أعمالٍ إرهابيةٍ ضدَّ بلدِهِم ومواطنيِهِم. ولكنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالىَ، بفضلهِ وكرمهِ، ردَّ كيدَهُم في نُحورِهِم وحمىَ وطننا العزيزَ من شرورِهِم. ولا شكّ أنَّ علينا جميعاً التصديَ لكلِّ فكرٍ مُنحرفٍ، ونبذَ كلِّ أشكالِ الغُلوِّ والتطرُّفِ، والعملَ بجدٍ واجتهادٍ على كلّ ما من شأنهِ المحافظةُ على وطنناَ الغالي.
والشيءُ بالشيءِ يُذكر، أيها الإخوةُ ، ففي هذه الأيام المباركة يجبُ عليناَ أنْ نتذكَّرَ رجالاً صَدَقوا ما عاهدوا اللهَ عليهِ، وبذلوا أنفسَهُم فِداءً للوطنِ....إنهُم شهداءُ الواجبِ.
...... نَتَذكَّرُهُم ونَذكُرُهُم في هذا اليومِ، لأنهُم سيبقُونَ أحياءَ في ذاكرَتِنَا ما بقيناَ، وهُم، بإذنِ اللهِ، "أحياءٌ عندَ ربِّهِم يُرزَقُونَ". لقد هبُّوا للذَّودِ عن وطنهِم، ووقفوا وقفةَ عزٍّ وشرفٍ في وجهِ فئةٍ ضالةٍ، قادهاَ جهلُهَا إلى محاولةِ العبثِ بأمنِ وطنِنَا ومُكتسباتِهِ، فعرَّضوا بلادناَ، حماها اللهُ، لخطرِ الانزلاقِ إلى حالٍ من القلقِ والفوضى لا يعلمُ عواقِبَهَا إلا اللهُ سبحانهُ وتعالى. ولكنْا لم ولن نَسمَحَ لأيٍ كانَ بالنَيلِ منْ أمنِ بَلَدِ التوحيدِ ومَهبِطِ الوحيِ ومهدِ الرسالةِ المُحمديةِ. لقد وقفَ الشعبُ السعوديُ كُلُّهُ وقفةً صادقةً، في وجهِ هذهِ الفئةِ الضَّالةِ، مُلتفِّينَ حولَ قادةِ مسيرتِهِم، داعمينَ لإخوانهم رجالِ الأمنِ البواسلِ، الذينَ ضربوا أروعَ أمثلةِ الذودِ عن الوطنِ الغالي، ووَهبوا أرواحهُم فداءً للوطنٍ ودفاعاً عن مُقدَّساتِهِ وثَوابِتِهِ الإسلاميةِ ومُكتسبَاتِهِ الحضاريةِ.
رحِمَ اللهُ شُهداءَ الواجبِ، وأحسنَ عزاءَ أهلهِم وذويهِم، وحمىَ وطننا من كيدِ كلِّ كائدٍ، وطيشِ كلِّ ضالٍ.
أيها الأخوة الحضور،
لقدْ جاءَ كلُّ واحدٍ مِنَّا إلى هذهِ البلادِ لهدفٍ مُحددٍ، و جميعاً نشتركُ في أننا في الغربةِ سفراءُ للوطنِ، وعلى كُلِّ واحدٍ مِنَّا أن يكونَ، بصدقٍ وإخلاصٍ، صورةً مثاليةً للمواطنِ السعوديِّ المُتمَسِّكِ بدينهِ ومبادئهِ، المُعتزِّ بانتمائهِ لوَطنهِ. وعلينا جميعاً التعريفُ بثروتِنَا الدينيةِ والثقافيةِ إلى الآخرين بأُسلوبٍ حسنٍ ومقبولٍ. ولست أجِدُ في التأخُّرِ عن هذا عُذراً لأحدٍ منا، وأخُصُّ بالذكرِ هنا الإخوةَ والأخواتِ الطلبةَ، حيثُ منحهُمُ اللهُ فرصةً ثمينة للتعريفِ بتراثِهِم العظيمِ وبوطنِهِم العزيزِ من خلالِ وجودِهِم في الجامعاتِ ومراكزِ التدريب و البُحوثِ البريطانيةِ.
كما أنَّنيِ، في نفسِ الوقتِ، أطلبُ وآملُ من الجميعِ احترامَ ثقافةِ وقوانينِ البلدِ المُضيفِ، والالتزامَ بها، والبُعدَ عنْ مَوَاطِنِ الشُبُهاتِ، خاصةً في ظلِّ الأوضاعِ الراهنةِ التي تشهدُ انتشارَ الفتن. إذ علينَا جميعاً نبذُ الغلوِّ و التَّطرُّفِ أياً كانَ مصدرهُ، ونشرُ ثقافةِ التسامُحِ التي يأمُرُنَا بها دِينُنا.
هذا فضلاً عنْ أنَّ الظُروفَ الحرِجةَ التي يمرُّ بها العالمُ بأسْرِهِ تُحتِّمُ عليناَ جميعاً العملَ سوياً والتكاتُفَ والتعاونَ لخدمةِ وطننا الغالي، والالتفافِ حولَ قِيادتِنَا، والدفاعَ بإخلاصٍ عن عقيدتنا و وطننا.
وغنيٌ عن الذكرِ أنني أرغبُ إلى إخواني وأخواتي الطلاب والطالبات أن يُرونا من أنفُسِهِم ما نُحبُّ من الجدِّ والاجتهادِ والمُثابرةِ في التحصيلِ العلميِ؛ ليَتمكنوا من الحصولِ على الدرجاتِ العلميةِ التي أَتَوا من أجلِها إلى هذهِ البلادِ، وليَعُودوا إلى أرضِ الوطنِ الغاليِ للمُشاركةِ في مسيرةِ تنميتهِ المُباركةِ.
أيها الإخوةُ ،
اسمحوا لي، في ختامِ كلمتي هذهِ، أن أؤكِّدَ لكُم أنَّ أبوابَ السِّفارةِ مفتوحةٌ للجميعِ، ونحنُ هُنا لخِدمتكُم، وتذليلِ الصِعابِ أمامكُم. نستمعُ للمُقترحات البَنَّاءةِ، ونأخذُ بِها، ونتقبَّلُ النقدَ بصدرٍ رَحْبٍ، متى ما كانَ نقداً بنَّاءاً الهدفُ منهُ الإصلاحُ، والغرضُ من ورائِهِ الحرصُ على مصلحةِ الوطنِ والمواطنينَ.
أُرَحِّبُ بكُم مرةً أُخرىَ، وأشكُرُكُم على حضورِكُم، وأسألُ اللهَ أنْ يُبلِّغَنَا رمضانَ ويُيسِّر لنا صِيامَهُ وقيامَهُ ويَتَقبَّلهُ مِنَّا، وأن يُعيدَ ذكرى اليومِ الوطنيِّ على بلادِنا العزيزةِ، وعلينا، سنواتٍ عديدةً بإذن الله، والبلادُ وأهلُهَا يرفُلونَ في ثيابِ العِزِّ والمَنَعةِ والسؤددِ. كما أسألُهُ، جلَّ تعالى، أنْ يحفظَ لنا قائدَ مسيرتِنا؛ خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَّ عهدهِ الأمينَ. وأنْ يحفظَ بلدَنَا ويكلأَهَا برعايتهِ، وأنْ يُديمَ علينَا نعمةَ الأمنِ والاستقرارِ، وكلُّ عامٍ والجميعُ بخيرٍ، والسلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهٌ.