تحتفي المملكة العربية السعودية في يوم 23 سبتمبر باليوم الوطني الواحد والتسعين ، بعد الإعلان التاريخي للملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود واطلاقه اسم (المملكة العربية السعودية) على هذه الدولة ، بعد مرحلة توحيد استمرت اثنين وثلاثين عامًا، أرسى خلاله قواعد هذا البنيان ونشأت آنذاك دولةً فتيةً ناشرةً السلام والخير باحثةً عن العلم والتطور سائرةً بخطى حثيثة نحو غدٍ أفضل لشعبها والعالم أجمع.
 في هذا المقال نستذكر جزء من شخصية الملك عبدالعزيز الذي أفنى عمره في مواجهة تحديات الحياة في الجزيرة العربية التي كانت ترزح قبل أكثر من تسعة عقود تحت وطأة التناحر والخوف وشظف العيش، ليؤسس دولة فتية تتمتع بالأمن والاطمئنان والخيرات الوفيرة، ويقف لها العالم احترامًا وتقديرًا.
ولد الملك المؤسس في مدينة الرياض عام 1876 التي تقع في وسط الجزيرة العربية، وخضعت لحكم الدولة السعودية الأولى والثانية، ثم عادت لحكم الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبدالعزيز عام 1902.
وللملك عبدالعزيز شخصية قوية آسرة ومهابة تأثر بها كل من قابله، أبهرت الكثير من المفكرين والمؤرخين في العالم، ومنهم المؤرخ الصيني البروفيسور يانغ يان هونغ الذي قال عنه : "لقد كان الملك عبدالعزيز أحد العباقرة الذين قدموا لأممهم وأوطانهم خدمات جليلة بجهودهم الجبارة التي لا تعرف الكلل أو الملل، وأثروا في تطور المجتمعات البشرية وتقدمها نحو الغاية المنشودة، وسجلوا مآثر عظيمة في السجل التاريخي المفعم بالأمجاد الخالدة".
ووصف الدكتور فون دايزل النمساوي الذي زار المملكة عام 1926 الملك عبدالعزيز بالنابغة : "إذا عرفتم أن ابن سعود نجح في تأليف إمبراطورية تفوق مساحتها مجموع مساحات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا معًا بعد أن كان زعيمًا يأتمره عدد من الرجال وتمكن بمساعدتهم من استرداد الرياض عاصمة أجداده، لم يداخلكم الشك في أن هذا الرجل الذي يعمل هذا يحق له أن يُسمّى نابغة".
لقد مرّ الملك عبدالعزيز بأحداث ومحطات متعددة في حياته كانت مؤثرة في بناء شخصيته الفذّة و أسهمت في صقل شخصيته حيث تعلّم منها الصبر والقوة والإقدام. وعدّ المؤرخون خروج الملك عبدالعزيز، مع والده الإمام عبدالرحمن وبعض أفراد أسرته من الرياض عام 1891 الحدث الأصعب في حياته، إلى أن وصلوا إلى الكويت واستقروا بها عدة سنوات.
وعندما بلغ الملك عبدالعزيز سن العشرين من عمره توجه عام 1902 إلى مدينة الرياض في رحلة بطولية قاد مسيرتها بصحبة رجاله ليدخل إلى مدينة الرياض بذكاء القائد المحنك بعد عملية بطولية ، معلنًا استعادة ملكَ آبائه وأجداده في صورة صادقة من ‌صور البطولة والشجاعة فوضع أولى لبنات هذا البنيان الكبير على أسس قوية ومعلنا بداية العهد الزاهر بعد أن بايعه أهالي الرياض وأعيانها أميرًا على نجد فدبّ الاستقرار السياسي بعد سنين من الاضطراب، وكانت وحدة الحكم من أهم العوامل التي مهّدت دخول الرياض مرحلة جديدة من النمو والازدهار الحضاري.
وتمكّن الملك عبدالعزيز ورجاله عبر رحلة بطولية طويلة من لملمة شتات البلاد وتوحيدها وإعادة الأمن والعدل، والتصدي للفوضى التي كانت سائدة في الجزيرة العربية آنذاك، وأصبح ملكًا لدولة سهر على بنائها وأوجد نظامها حتى أصبح لها مواقف مشرّفة مع الأمتين الإسلامية والعربية والعالم أجمع.
ومن اهم الخطوات التي قام بها الملك عبدالعزيز في سبيل تطوير البلاد ونهضتها:
 - اصدار مرسوم ملكي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية، وذلك في 23 سبتمبر 1932.
- التوجيه بالاهتمام بالحرمين الشريفين وتوسعتهما، وخدمة الحجاج والمعتمرين، فضلاً عن البدء في فتح المدارس، وإنشاء المستشفيات، وبناء القرى، وإصلاح التربة، وتوطين البادية، والتنقيب عن مياه الري من أجل دعم الزراعة.
- بداء عمليات التنقيب عن النفط في أراضي المملكة عام 1933، حيث انتعشت الأرض بخروج الذهب الأسود الذي حوّل الصحراء إلى مدينة ممتلئة بالعمال والمهندسين وخبراء النفط. وفي عام 1939م ضخ النفط لأول مره في احتفال شهده الملك ، ليستهل بعدها مشروعات الدولة التي خطط لها.
وقد أدرك الملك عبدالعزيز بحنكته أن التلاحم والتواصل بين القيادة والشعب وسياسة الباب المفتوح هما من أفضل السبل لخدمة الوطن والمواطنين ولتقدم البلاد ورقيها ، حيث انتهج في الشأن الداخلي وفي تعامله مع مواطنيه سياسة قائمة على الشورى وعلى التناصح مع الرعية واغتنام الفرص لتبادل الرأي والنصح وكان لهذا النهج القويم الذي سار عليه وتبعه أبناؤه من بعده الأثر الكبير فيما تعيشه المملكة من تطور كبير قائم على تعاضد الدولة والمواطنين.
وفي الشأن الخارجي كان يتعامل مع جميع دول العالم بدبلوماسية عالية المستوى آخذًا بعين الاعتبار استقلال المملكة برأيها واختيار طبيعة علاقاتها مع الدول دون الإخلال بمكانتها الدينية والحضارية والثقافية وهو ما جعله محبوبًا من مختلف قادة دول العالم، وأصبح حديث الإعلام العربي والإقليمي والدولي في ذلك الوقت.
وقد حرص الملك عبدالعزيز على إرساء مبادئ السياسة السعودية من منطلق تعاليم الدين الإسلامي حيث أصبحت هي النهج الذي يتوخاه في كل علاقاته وتعاملاته مع الآخرين ومن خلال هذا النهج اكتسبت السياسة السعودية الصدق والوضوح الذي تسير عليه حتى اليوم في تعاملاتها مع الدول كافّة.
ومن ذات المنطلق الذي أدار به الملك عبدالعزيز شؤون بلاده ومواطنيه بنى علاقات بلاده مع أشقائها العرب والمسلمين وأقام علاقات قوية مع المجتمع الدولي ، و دعا إلى التعاون العربي والتضامن الإسلامي وأسهم بفعالية في تأسيس جامعة الدول العربية وكان عضوا مؤسسا في الأمم المتحدة ، كما سجّل له التاريخ مواقف مشهودة في كثير من الأحداث العالمية والقضايا الإقليمية والدولية.
وكان صريحًا في تعامله مع القضايا التي تهم أمته على الصُّعُد كافة وقد أثبتت الأحداث المتعاقبة حتى يومنا هذا رؤيته الصائبة ونهجه الصحيح في أقواله وأفعاله فكانت تلك الرؤية وذلك النهج القاعدة والأساس القويم الذي تسير عليها المملكة في جميع تعاملها داخليًا وخارجيًا.
تُوفي الملك عبدالعزيز في 9 نوفمبر 1953 بعد أن سار في رحلة طويلة عاش فيها أعظم الأحداث، وواجه أكبر التحديات، لكنه ترك للأجيال من بعده إرثًا عظيمًا يهنأ فيه الجميع بين أحضان دولة أسّست على التوحيد وبعد أن أرسى منهجًا قويمًا سار عليه أبناؤه من بعده لتظل المملكة في نماء مستمر، وأمن وخير وسلام حتى وقتنا الحاضر.
وكان الملك سعود بن عبدالعزيز ( 1953- 1964 ) أول السائرين على ذلك المنهج والعاملين في إطاره حتى برزت ملامح التقدم واكتملت هياكل عدد من المؤسسات والأجهزة الأساسية في الدولة.
وجاء من بعده رائد التضامن الإسلامي الملك فيصل بن عبدالعزيز ( 1964- 1975)  فتتابعت المنجزات الخيّرة وتوالت العطاءات وبدأت المملكة في عهده تنفيذ الخطط الخمسية الطموحة للتنمية.
وتدفقت ينابيع الخير عطاءً وافرًا بتسلِّم الملك خالد بن عبدالعزيز ( 1975- 1982) الأمانة فتواصل البناء والنماء خدمة للوطن والمواطن بخاصة والإسلام والمسلمين بعامة واتصلت خطط التنمية ببعضها لتحقق المزيد من الرخاء والاستقرار.
وساد عهد جديد من الخير والعطاء والنماء والإنجاز بعد مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ( 1982- 2005)  ملكًا على البلاد، حيث تميزت الإنجازات في عهده بالشمولية والتكامل لتشكّل عملية تنمية شاملة في بناء وطن وقيادة حكيمة فذّة لأمة جسّدت ما اتصف به من صفات عديدة من أبرزها تفانيه في خدمة وطنه ومواطنيه وأمته الإسلامية والمجتمع الإنساني أجمع.
وشهدت المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ( 2005- 2015)  المزيد من المنجزات التنموية العملاقة على امتداد الوطن في مختلف القطاعات التعليمية والصحية والنقل والمواصلات والصناعة والكهرباء والمياه والزراعة والاقتصاد.
ونعيش اليوم حاضرًا مميزًا، ونتطلع لمستقبل أكثر تميّزًا، تملؤنا الثقة بعنوان المرحلة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، الذي يبذل منذ توليه الحكم عام  2015 ، جهدًا في المضي قدمًا بمسيرة الوطن، فقد تعدّدت نشاطاته في مختلف المجالات على المستويين الداخلي والخارجي ،سبقها مهام ومنجزات في مراحل مختلفة خلال تقلده العديد من المناصب.
واليوم تمرُّ بنا مناسبة اليوم الوطني ونحن نعيش واقعًا مشرقًا أرساه المؤسس الباني الملك عبدالعزيز وابنائه من بعده ، حفظ الله المملكه العربية السعودية وادام الامن والاستقرار والرخاء والتقدم عليها.