يعود تاريخ  العلاقات السياسية بين المملكة وإثيوبيا إلى عام 1948م عندما أقيمت العلاقات الدبلوماسية بينهما على مستوى القائم بالأعمال ، ثم تم رفع درجة التمثيل الدبلوماسي بينهما إلى درجة سفير بتاريخ 14 اكتوبر 1994 وظلت البعثتان الدبلوماسيتان للبلدين تشكلان همزة وصل لتنسيق السياسات فيما بينهما وخاصة ما يتعلق بالقضايا الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك حسب ما تتطلبه الضرورة.

 
وبما أن البلدين  شاركا معا في تأسيس الأمم المتحدة فإنهما قد ظلا ملتزمين بالمبادئ الأساسية المنصوص عليها فى ميثاق هذه المنظمة الدولية  وخاصة ما يتعلق منها بمبادئ الحفاظ على الأمن والسلام على المستويين الإقليمي والعالمي واحترام سيادة جميع الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية وحق جميع الشعوب المستعمرة في تقرير المصير وتجنيب البشرية ويلات وآلام الحروب وتسوية النزاعات بالوسائل السلمية.


ومن هذا المنطلق ظل البلدان يتخذان مواقف متطابقة أو متقاربة في الكثير من القضايا الجوهرية التي تبحثها وتقرها الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وخاصة ما يتعلق منها بقضايا تصفية الاستعمار في حقبة الخمسينيات والستينيات ، وقضايا السلم والأمن والتنمية .


ومن خلال انتمائهما إلى مجموعة دول عدم الانحياز التي كانا من بين الأعضاء المؤسسين لها والتي كانت تسعى إلى وضع سياسة خاصة بدول المجموعة مستقلة عن المعسكرين الغربي و الشرقي  التزم البلدان دوما بمبادئ وأهداف وقرارات هذه المجموعة سواء في علاقاتهما الثنائية أو في السعي للترويج لها في جميع المنابر الدولية التي يشاركان فيها حيث يسعيان معا من اجل إقرارها ووضعها موضع التنفيذ.


و يتضح من مسار العلاقات بين البلدين أنهما يسعيان معا إلى تطوير وتنمية علاقاتهما بما يخدم مصالحهما المشتركة كدولتين إقليميتين رئيسيتين في شبه الجزيرة العربية والخليج والعالم العربي ومنطقة القرن وشرق  إفريقيا وافريقيا .

 
العلاقات الاقتصادية بين البلدين


يرتبط البلدان فيالمجال الإقتصادي بالإتفاقية العامة للتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والفنية والثقافية والشباب والرياضة التى تم التوقيع عليها بتاريخ 1/8/1423هـ الموافق 7/10/2002م  . وفى هذا الإطار فإن الحكومتين تعملان على تفعيل وترجمة نصوص هذه الإتفاقية بعقد اجتماعات دورية للجنة السعودية الإثيوبية المشتركة التي تم تشكيلها بموجب هذه الإتفاقية العامة فى احدى عاصمتى البلدين وبحث القضايا التى تهمهما بهدف تعزيز وشائجهما فى كافة المجالات .

وانطلاقا من ذلك فإن الدورة الثالثة لهذه اللجنة المشتركة قدعقدت في اديس ابابا في16يناير 2012م برئاسة وزيري الزراعة وبحضور كبار المسئولين من مختلف الوزارات وممثلي رجال الأعمال في البلدين ، وتم التوصل الى اتفاقية اطارية للتعاون في المجالات الزراعية والثروة الحيوانية والسمكية . واتفق الجانبامن خلال هذه الدورة على ان تستضيف الرياض الدورة المقبلة في موعد يتفقان عليه فيما بعد بالطرق الدبلوماسية المعتادة .


الميزان التجارى بين البلدين


ربما يتعذر الحصول على إحصائيات دقيقة عن التبادل التجارى بين البلدين الذى يقوم به فى الغالب أفراد من البلدين ، وليس على مستوى الحكومتين .  ومع ذلك فإن  نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية اثيوبيا دولة السيد هيلي ماريام دسالين قد أعلن أثناء زيارة قام بها الى المملكة العربية السعودية  بتاريخ 11 مايو 2011م   بأن الميزان التجاري بين البلدين يصل حاليا الى2 مليار ريال ، ووصف  العلاقات الرسمية بين البلدين بأنها متينة وانها تشهد تطورا ملحوظا ، وقال ( سعينا لتمتين العلاقات على الصعيد الشعبي اتساقا مع الصعيد الرسمي وتنشيط التبادل في الجانب الإقتصادي ، حيث تعد السعودية الشريك التجاري الأول لإثيوبيا التي تشهد نموا مضطردا في اقتصادها اسوة بالصين والهند وتركيا ، ودعا نائب رئيس الوزراء المملكة الى رفع ميزانها التجاري مع إثيوبيا ، كونها الشريك التجاري الأهم لإثيوبيا.

وقد أجرى دولة نائبرئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي خلال هذه الزيارة مداولات وصفها بأنها كانت مثمرة مع القيادة العليا في المملكة العربية السعودية بما في ذلك مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية ، ومسئولين سعوديين آخرين حول تعزيز العلاقات الثنائية والتاريخية والتجارية والإنمائية  مع التركيز على التعاون في مجالات الزراعة والإستثمار والغاء الإزدواج الضريبي . كما أعلن دولته بأنه تم خلال هذه اللقاءات بحث عدد من القضايا ذات الإهتمام المشترك ، وأعلن بأن السعودية طلبت استقدام 30 ألف عامل اثيوبي للعمل في مختلف التخصصات في المملكة مثل العاملات المنزليات وفي مجال التقنية وغيرها ، وقال ( سعدنا بهذا الطلب الذي يمكن تنفيذه خلال عام واحد ، ونعمل على تدريب العمالة عبر كثير من المعاهد المتخصصة في هذا الأمر ).

وفي مسعى لتفعيل تطلعات البلدين فى مجال تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية فيما بينهما تم توقيع مذكرة تفاهم بين الغرفتين التجاريتين لأديس أبابا وجازان تنص على تنظيم اجتماعات مشتركة لرجال الأعمال وعقد ندوات وإقامة معارض تجارية وعلى بذل أقصى الجهود لتعزيز العلاقات في المجالين التجاري والاستثماري .

وبهدف تعزيز هذه المبادرات فإن  وفدا من الوكالة الإثيوبية للترويج للتجارة الخارجية قام فيما بعد بزيارة المملكة بهدف توسيع فرص التسويق وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين ، وبحث إمكانية القيام بالمزيد من المشروعات المشتركة والنشاطات ذات الصلة وتبادل الخبرات .

وفي هذا الإطار فإن المملكة قد شاركت في المنتدي  الإقتصادي العالمي الثاني والعشرين لإفريقيا الذي افتتح في اديس ابابا في  9 مايو 2012م ،  بحضور اكثر من 700 مشارك ينتمون الى 70 بلدا ،  بوفد ترأسه معالي الدكتور فهد بن عبد الرحمن بلغنيم وزير الزراعة ، الذي اعلن امام المنتدى  بأن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإفريقيا تتخذ لها جذورا عميقة ، وأن افريقيا تمتلك ثروات طائلة ، مشيرا في هذا الصدد الى ان حكومة بلاده تهتم بقدر أكبر بالعمل على توفير المياه وعلى تشجيع رجال الأعمال السعوديين على الإستثمار في مشروعات زراعية في الخارج لضمان الأمن الغذائي ، وفي هذا الصدد قال الوزير بأن (شركة سعودي استار للتجارة الزراعية ) تنشط حاليا في القطاع الزراعي في اثيوبيا ، كما اعلن بأن القادة الأفارقة قد توصلوا الى قناعة بأن القطاع الزراعي يلعب دورا حاسما في التنمية الزراعية للقارة ، وقال ان بلاده تشاطر هؤلاء القادة في هذا الرأي وأنها ستواصل شراكتها مع اثيوبيا والأقطار الإفريقية بالعمل في هذا القطاع بصورة أقوى .

 
تقدير اثيوبي للإستثمارات السعودية


تحظى الإستثمارات السعودية في اثيوبيا وفي مقدمتها استثمرات رجل الأعمال السعودي الشيخ محمد حسين العمودي بتقدير كبير من قبل الإثيوبيين على المستويين الحكومي والشعبي ، بوصفها اكبر استثمارات اجنبية مباشرة ،  تلعب دورا رائدا في الجهود الإنمائية والعمرانية للبلاد ، وينظر الإثيوبيون الى مساهمات المملكة فى مشروعات التنمية الإقتصادية فى اثيوبيا عبر المستثمرين السعوديين والى انخراطها فى تنمية البنية التحتية عاملامشجعا يساعد  في تحقيق اهداف الخطة الإنمائية والتحولية الخماسية التى شرعت فيها اثيوبيا لتوها  . وكما عكستة نشرة الخارجية ( ديسمبر2010) فإن الإثيوبيين يقدرون عاليا دور المملكة في مساعدة بلادهم فى الحصول على دعم  إنمائي من منظمات متعددة الأطراف كالصندوق الكويتى والأوبك والبنك العربي للتنمية الإقتصادية (باديا) .

وقد وقعت اثيوبيا على إتفاقيات مع مؤسسات مالية عربية لتمويل مشاريع للطاقة ، صادق عليها البرلمان الإثيوبي في يناير 2011م . وعلى الرغم من ان حجم هذه المبالغ لم يكشف النقاب عنه فإن الإتفاقيات وصفت بأنها مميزة سواء في طريقة سدادها او فترات سماحها او أرباحها السنوية ، وأنها تعتبر مثالية وتفتح الأبواب على مصراعيها للتعاون العربي الإثيوبي وخاصة في تحقيق الخطة الإنمائية والتحولية الخماسية التى تعمل اثيوبيا على تنفيذها بهدف تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة ،  وقد صادق مجلس النواب الإثيوبي على هذه الإتفاقيات بهدف تمويل برامج توسيع وتحسين التغطية الكهربائية في المناطق الريفية وخاصة في منطقتى جيجيجا عاصمة الإقليم الصومالي الإثيوبي وبلدة دجاهبور بنفس الإقليم . وفي هذا الصدد اعلن رئيس اللجنة الدائمة للموازنة والمالية وشئون حماية الثروات الطبيعية والبيئة بالمجلس بأن المجلس صادق على اتفاقية قرض وقعتها الحكومة مع الصندوق السعودي للتنمية لتمويل مثل هذا البرنامج تنص على فترة سماح امدها 6 أعوام وان يتم تسديد القرض خلال فترة تمتد لـ 24 عاما بربح سنوى مقداره 1% . وبالمثل وافق المجلس على اتفاقية قرض أخرى وقعتها الحكومة مع البنك العربي تنص على ان يتم سداد القرض خلال 20 عاما بعد فترة سماح امدها 10 اعوام وبربح سنوي مقداره 1% ، كما صادق المجلس على اتفاقية قرض ثالثة وقعتها الحكومة مع صندوق الأوبيك للتنمية تنص على دفع القرض خلال 20 عاما بعد فترة سماح امدها 5 اعوام  وبربح قدره 1% سنويا ونفقات خدمة تصل إلى 1% .

 
مداولات حول العمالة الإثيوبية في المملكة


تتألف العمالة الإثيوبية في المملكة من الألاف من العمال والعاملات في مختلف المهن والتخصصات ، وفي مقدمتها العمالة المنزلية ، بحيث اصبحت تشكل عنصرا هاما في العلاقات بين البلدين يعمل البدان على وضع  اطر لها بهدف تنظيمها واعدادها للمهام التي ستناط بها في المملكة مع ضمان حماية حقوقهاوسلامتها وامنها ، وفي هذا الإطار تم عقد اجتماع تشاوري بين وفد اللجنة الوطنية السعودية للاستقدام برئاسة الأستاذ سعد البداح والجمعية الإثيوبية لوكالات التوظيف الخاصة في أديس أبابا في  سبتمبر 2011م.

وشارك في هذا الإجتماع التشاوري مسئولون اثيوبيون الى جانب سعادة سفير خادم الحرمين الشريفين في إثيوبيا الأستاذ عبدالباقي بن أحمد عجلان. وتم خلال الاجتماع بحث المشاكل التي تعوق العمل والتوصل إلى تفاهم مشترك حول هذه المشاكل وحلها بالتعاون بين الجانبين ومع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الإثيوبية

وبعد هذا الإجتماع التشاوري الذي كان بمثابة تمهيد لآجتماع سيعقد بين الجانبين السعودي والإثيوبي على مستوى اعلى تم عقداجتماع بين الوفد السعودي برئاسة الأستاذ سعد البداح ومعالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية الإثيوبي السيد عبد الفتاح عبدالله بحضور سعادة سفير خادم الحرمين الشريفين في أديس أبابا الى جانب المساعد الخاص لوزير الدولة لشؤون العمل ، ومسؤول دائرة تطوير خدمات التوظيف بوزارة الشئون الإجتماعية الإثيوبية .

وأعلن خلال هذا الإجتماع بأن اللجنة الوطنية السعودية للاستقدام والجمعية الإثيوبية لوكالات التوظيف الخاصة ترتبطان بمذكرة تفاهم تم التوقفيع عليها قبل اربعة اعوام من تاريخه بهدف تنظيم عمل إرسال العمالة من إثيوبيا إلى المملكة . واعلن خلال  الإجتماع أيضا بأن المملكة العربية السعودية تستقبل نحو 80-100 ألف عامل وعاملة شهرياً من مختلف بلدان العالم، وأن الجانب السعودي يأمل في أن تستفيد إثيوبيا من هذا الكم الهائل من فرص العمل التي توفرها المملكة .

 
تقييم عام لعلاقات المملكة بإثيوبيا


يلاحظ ان العلاقات بين البلدين جيدة الآن وأنها تسير من حسن الى احسن بعد ان اصبح التمثيل الدبلوماسى بينهما على مستوى سفراء منذ حوالى عقدين من الزمن . وخلال تلك الفترة قام السيد ملس زيناوى رئيس الوزراء بزيارة رسمية الى المملكة فى العام 2001 ، كما تم خلال السنوات التي اعقبت ذلمكتبادل الزيارات بين وفود  سعودية واثيوبية والتوقيع على اتفاقية الطيران المدنى اثناء الزيارة الرسمية التى قام بها وفد سعودى الى اثيوبيا برئاسة معالى رئيس الطيران المدنى . وشاركت المملكة ولازالت تشارك فى فعاليات  المعرض التجارى الإثيوبى الذى يتم تنظيمه فى كل عام . ويمثل المملكة فى هذه المعارض شركات كبرى بهدف فتح الأسواق الإثيوبية امام الصادرات السعودية .

فى ضوء ماتقدم نجد ان اثيوبيا تحتل مكانة مرموقة في المنطقة لعوامل من بينها :-

-  إنها ثالث اكبر دولة فى افريقيا جنوب الصحراء من حيث المساحة والسكان والأهمية الإقتصادية بعد جنوب افريقيا ونيجيريا ،

-  موقعها المركزى بالنسبة لدول القرن الإفريقى باعتبارها قوة عسكرية كبيرة تمتلك اقوى جيش فى المنطقة ،

-  عضويتها فى منتدى صنعاء للتعاون الذى يضم الى جانبها كلا من اليمن والسودان والصومال وجيبوتى مشكلا تكتلا امنيا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا هاما ،

-  وجود نسبة كبيرة من المسلمين الإثيوبيين تتجاوز 33% طبقا للإحصاء الحكومى الرسمى فى عام 2007 ،

-  استضافتها لمقر الإتحاد الإفريقى الذى تنضوى تحت لوائه 52 دولة ومقر اللجنة الإقتصادية الإفريقية التابعة للأمم المتحدة وعدد من فروع ومكاتب المنظمات الدولية والإقليمية والمنظمات غير الحكومية ،

-​  كونها دولة ذات اهمية للدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وخاصة بعد احداث 11 سبتمبر ، وتتعاون معها فى مسائل مكاقحة الإرهاب .


لذا ، وفى ضوء ما تقدم ، فإن المملكة تعمل على تعزيز العلاقات مع اثيوبيا بتشجيع المستثمرين السعوديين على الإستثمار في اثيوبيا بالإستفادة من الفرص الإستثمارية العديدة المتاحة ،  ومن اجل تبادل الزيارات والمشاورات بين كبار المسئولين والتشجيع على التوقيع على مزيد من الإتفاقيات التعاونية في المجالات الإقتصادبة والتجارية حتى يتمكنا من تحقيق المزيد من التقارب والتفاهم بما يخدم المصالح العليا للشعبين والحكومتين مع العمل على تحقيق السلام وضمان الأمن والرفاهية لشعبي البلدين ولشعوب المنطقة برمتها .