​​n1.jpg 

n2.jpg 


 

تحت عنوان "بوح ثقافي بنكهة دبلوماسية

قراءة متأنية للواقع , واستشراف لمستقبل لا يعترف بعوائق التاريخ و الجغرافيا " نشرت مجلة كافييتي التشيكية

لقاء مطولاً مع سعادرة السفير نايف بن عبود , وكان نصه :

 

1- يُشاع عن المملكة العربية السعودية أحيانا بأنها "عالم قاسي من القوانين الإسلامية" وأن فيها ممارسات شبيهة بممارسات العصور الوسطى. لماذا برأيك ينظر البعض الى هذا البلد بهذه الطريقة، وهل يمكن تغيير هذه التصورات؟
ج) تحضُرني مقولة لكاتبة وسياسية أمريكية تدعى شيرلي تشيزهولم جاء فيها" أننا في الوقت الذي يتوجب فيه علينا رفض الصور النمطية المأخوذة عنا، يتوجب علينا أن نرفض أصلا الصور النمطية التي كونّاها عن الآخرين". ما أريد قوله من خلال الاستشهاد بهذه المقولة، هو أن السبب الحقيقي لمشكلة الصورة النمطية هو غياب عنصر العدالة لدى قراءتنا للآخرين بنفس النسبة التي يغيب فيها لدى قراءة الآخرين لنا، فجميعنا نرفض الصور النمطية التي يكونها الآخرون عنا فيما نحن في الحقيقة نحمل صوراً نمطية وقوالب جاهزة لهؤلاء الآخرين! لذلك أعتقد أننا بحاجة – كمجتمعات إنسانية – أن نتبنى جميعا منهجية فكرية نقدية ترفض الصور المسبقة والآراء المتوارثة.

2- الثقافات الغربية غالبا ما تربط الإسلام بالإرهاب حاليا. لكن ألا تعتقد بأن بعض الجماعات الإرهابية مثل داعش تستغل المؤمنين على الأرجح لتحقيق أهداف مرتبطة بفرض السلطة وتحقيق الغايات الاقتصادية؟
ج) بالضبط، والحقيقة دائما ما يثير استغرابي عندما تخطئ الثقافات الغربية - رغم حرصها على الاتصاف بالعلمية والتجرد والواقعية والمنهجية- فتقوم بالربط ما بين الإسلام والإرهاب، فهذا الربط لا يقوم على أسس علمية بقدر ما هو قائم على الصور النمطية التي تروج لها البروباغندا المنحازة وتحاول ترسيخه في الذهنية الغربية. فيما يتعلق بسؤالك عن داعش ، أستطيع أن أؤكد لك أنها أكثر أيدولوجية مرفوضة ومستهجنة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية ، وأن الصدمة التي أحدثتها أفعالها المُشينة هي ذات الصدمة التي شعر بها الغربيون بل وربما أكثر. أما عن أهدافها، فهي أهداف غير منطقية ولا واقعية وتخفي وراءها بالتأكيد أطماع سلطوية واقتصادية.

 

3- الإسلام بحد ذاته لا يحمل في طيّاته الدعوة لممارسة أي دمار مسلّح. فهل ما نشاهده يعني فعلا بأن المسلمين لا يتشابهون؟
ج) لعلّك تتفق معي في أن تعاطي البشر مع الأديان بشكل عام يختلف باختلاف انتماءاتهم العرقية والفكرية وكذلك البيئة التي شكلت رؤاهم وأهواءهم. في الحقيقة، إن التفسير المتشنج للدين الإسلامي من قبل بعض الفئات المتطرفة لا يختلف كثيراً عن التفسير التطهيري في الديانة المسيحية والذي ابتدعه أشخاص متطرفون أصلاً وتسببوا بالكثير من الآلام للبشرية من خلال محاكم التفتيش والحروب الصليبية والاضطهاد الديني في أوروبا وهو ما يتنافى مع تعاليم السيد المسيح عليه السلام.  

 

4- ما هو الفرق بين الإسلام الديني والإسلامي السياسي؟ هل تعترف أصلا بهذه الأوصاف؟

ج) في الحقيقة أنا أختلف تماماً مع تقسيم الإسلام إلى ديني وسياسي، لأننا إذا اعتمدنا هذا التقسيم، فنحنُ بذلك نقوم بتفتيت الفكرة، والإسلام في الأساس هو فكرة واحدة وعظيمة وسامية تدعو الى العدالة والسلام ومتصالحة تماماً مع فكرة الدين المسيحي وفكرة الدين اليهودي إلى درجة أنه لا يجوز لمعتنقها إنكار أي من هذه الأديان، بل ولا يُعد مسلماً حتى يؤمن بما جاء به موسى والسيد المسيح وبقية الأنبياء عليهم السلام. من هذا المنطلق، يمكن القول أن التقسيم الذي افترضته في سؤالك يمكن تطبيقه على المنهجية المتبعة في مقاربة الإسلام والتي قد تقترب بالتالي أو تبتعد عن روح الفكرة الأصيلة.

5- وكيف تفهم الفارق بين الإسلام المحافظ والإسلام المعتدل؟ إلى أين يتجه شكله في الوقت الحاضر حسب رأيك؟

ج) نحن هنا أمام نفس الإشكالية في عملية التقسيم والتفريق بين منهجيْن في طريقة تعاطي كل منهما مع الدين الإسلامي ، وللإجابة على سؤالك دعني أقول أنني على قناعة مطلقة أن المنهجية المحافظة الجامدة تحمل في طياتها بذرة نكوصها وانكفائها ومن ثم فنائها،  بينما – على العكس – فإن المنهجية المعتدلة تحمل في ذاتها بذرة البقاء والنماء لأنها منهجية حية ومستمرة ومتطورة وتنسجم تماماً مع قانون التحدي والاستجابة. 

 

6- لا شك بأن الإسلام هو دين بارز، لكن برغم ذلك بقي لفترة طويلة بعيدا عن الاهتمام. هل تعتقد بأن عدم المعرفة هو الذي يحدد تلك المواقف السياسية السلبية الموجودة حاليا؟
ج) في الحقيقة يحضرني قولٌ يكاد يكون قاعدة عامة في هذه الحياة وهو "أن الإنسان عدو لما يجهل" ، وهنا أنا لا أضع لوماً على جهة بعينها وإنما أدعو إلى خلق قناة صحيحة وفعالة للمعرفة والوصول إلى الآخر. أنا أؤمن جازماً أننا كشركاء في هذا الكوكب، لا بد لنا من التعامل بواقعية مع حتمية التواصل والعطاء وقبول الآخر.

 

7- منتقدو الإسلام عندنا غالبا ما يعتمدون على فقرات متجزأة من القرآن الكريم. وإذا قرأوه فعلا، فأنهم لا يفهموه. يبدو بأن ترجمة المصحف الى لغات أخرى لا يعتبر إثما حتى وفق الشريعة الإسلامية، لكن حسب بعض المطلعين، فأن معظم ترجمات المصحف "تفتقر الى الروح"، كما يقال. هل يمكن أصلا فهم هذا الكتاب المقدس دون الإلمام باللغة العربية؟
ج)أودّ هنا أن أشير إلى إجابتي على سؤالك السابق في الجزئية التي قلتُ فيها أن علينا كشركاء في هذا الكوكب أن نتعامل بـ (واقعية) مع حتمية التواصل وقبول الآخر، فالمشكلة التي تفضلتَ بطرحها عن قيام البعض باجتزاء النصوص وليّ أعناقها وإخراجها من سياقها الحقيقي هي في الأساس مشكلة ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح (اللاواقعية)، فهؤلاء الأشخاص الانتقاديون يعيشون حالة من إنكار الواقع ويتجاهلون حقيقة وجود شركاء لهم في هذا الكون، كما أنهم يعتقدون أن تشويه الآخر سيلغي وجوده. من هنا نلاحظ أن مردود هذا الأسلوب يتسبب في إحداث رد فعل عكسي يتمثل في خلق حالة من استعداء الآخر والتحدي غير البناء ويساهم في تشظي الحضارات الإنسانية بدلا من عمارتها بالتواصل والأخذ والعطاء.

فيما يتعلق بملاحظتك عن ترجمات القرآن الكريم، فإنني أودّ التنويه إلى أن هذه الترجمات تكون لمعاني القرآن ولذلك لا يشعر قارؤها بنفس الإعجاز والروحانية الموجودة في النص الأصلي للقرآن الكريم، وعموماً يمكنني القول أن فهم القرآن ممكن تحقيقه لغير الناطقين بالعربية بشرط أن تكون الترجمة محكمة وقديرة ، وهذا في الواقع ما سعت المملكة العربية السعودية إلى تحقيقه من خلال إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف والذي يتم استخدام أعلى التقنيات في الطباعة فيه كما يُستعان بمترجمين على قدر عالٍ من الكفاءة والاقتدار لإيصال رسالة الإسلام بمعناها الحقيقي والوسطي.

 

8- المسلمون يؤمنون ويحترمون ما يعرف بالأعمدة الخمسة للدين. ما لفت انتباهي هو المكوّن أو العامود الثالث، أي الزكاة – ما يعني أنه يجب على كل مسلم مقتدر ممن يملك أكثر من حاجته، أن يقدّم جزءا من مدخوله للقضايا الإنسانية أو الاجتماعية. هل هذا موجود أيضا في المملكة العربية السعودية أم أن ذلك يتم اليوم على شكل تسديد للضرائب العادية كما نعرفها؟

ج) بالتأكيد موجود، وقد قامت الدولة منذ بداية تأسيسها بإنشاء مؤسسة مختصة بهذا الموضوع تحت مسمى "الهيئة العامة للزكاة والدخل" ووضعت لها قوانين تنظم عملها وزودتها بالكوادر البشرية المؤهلة وذلك التزاماً بتطبيق الركن الثالث من الدين الإسلامي ، وإدراكاً لدور هذا الركن في بناء مجتمع متكافل ومتراحم، بل وتمتد إسهامات هذه المؤسسة إلى خارج المملكة حيث تعمل جنباً إلى جنب مع مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية وغيره من المؤسسات السعودية لنجدة الشعوب الأخرى إذا داهمتها الكوارث أو المجاعات، ودون أن يصاحب ذلك أي تمييز في العرق أو الدين. 

 

9- الكثير من الناقدين يتهمون الإسلام بكونه بعيدا عن مسألة مساواة المرأة. لكنه يتطور حتى في هذه المسألة. النساء في بعض الأماكن يقدن السيارات، كما ترتفع بشكل بارز ثقافة النساء. هل يمكن الإشارة الى أمثلة أخرى؟ كيف تنظر المملكة العربية السعودية الى هذه المسألة؟ هل هناك أمل بأن تحصل النساء على نسبة مساواة أكبر أم أنهن تعوّدن على أسلوب حياة مختلف عن الحياة في العالم الغربي وقد يكون لديهن أحلاما أخرى؟
ج) في الحقيقة، الذين ينتقدون وضع النساء في المملكة العربية السعودية يقعون في مغالطة كبيرة دون قصد، فهم يركزون على مظاهر وشكليات في حقوق المرأة مثل حق قيادة السيارة، ويغفلون أن المرأة السعودية حققت إنجازات عظيمة في ميادين الأدب والفن والطب والعلوم ولم تكن قيادتها للسيارة أكبر همها أو اهتمامها، علماً أن هذا الحق تم منحه لها كما تعلمون مؤخراً وأصبحت هذه القضية من الماضي.

نعم، نحن لا ننكر أن كثيراً من حقوق المرأة هي حقوق طبيعية وشرعية، ولكن يتوجب علينا أن نكون مدركين للشبكة المعقدة من الضوابط الاجتماعية والعادات والتقاليد والتي ساهمت الى حد بعيد في تريث القيادة السعودية في منحها مراعاة المحاذير الاجتماعية ، إلا أنه وكما تروْن، فإنه فور تهيؤ المناخ الاجتماعي المناسب لهذه التغييرات ، بادرت القيادة إلى إضفاء الشرعية عليها وتبنت قرارات جريئة وحكيمة أعطت المرأة السعودية مزيداً من الحقوق والامتيازات ، الأمر الذي بوأها مكانة مرموقة في سلم حقوق المرأة، وأودّ التنويه هنا أن هذا التطور في حقوق المرأة في المملكة هو في حركة مستمرة تتناسب طردياً مع التحديث الذي تشهده المملكة على كافة الأصعدة.

10- تفاجأتُ شخصيا بأن ولي العهد السعودي قدّم رؤية لا أظن بأن العالم الغربي توقعها – فالبلاد يجب أن تعدّ نفسها لتغييرات هامة وأن تنفتح أمام السياح. هل يمكنك أن تحدد أكثر ماهية هذه الرؤية؟
ج) ثمة لحظات فارقة في حياة الأمم يحدثُ فيها توافقات قدرية عجيبة تجتمع فيها قوة الإرادة مع حكمة القيادة وشجاعة التغيير. هكذا هي صفحة التحولات الكبرى التي تشهدها بلادي إذ يضع خطوطها العريضةَ وليُّ عهد شجاع ، ويكتب تفاصيلها شعب وفي طموح، ويرعاها ملكٌ حكيم.   

ولعل أبرز ما في هذه الرؤية، حسب رأيي، أنها في ضوء حرصها على تحديث البلاد وتقدمها المستمر، فهي تهدف إلى الاستثمار في الإنسان باعتباره المصدر الحقيقي للتطور والنماء. وأنا شخصيا متفائل جدا في هذه الرؤية لأنها ستساهم مستقبلا بتبديد الكثير من المفاهيم الخاطئة عن المملكة والإسلام بشكل عام.

11- لا يمكن لإنسان عادي يعيش في بلدنا مثلا أن يتصور بأنه سيتوجه للسياحة في المملكة العربية السعودية. ما كان يشكّل العقبة الأكبر في ذلك طبعا هو الخوف. هل تعتقد بأن الخوف في هذه الحالة هو محق؟
ج) إطلاقاً، وأعتقد أن هذا الخوف غير مبرر في ظل احتضان المملكة للملايين من مواطني القارات الخمس الذين يفدون إليها إما للعمل أو التجارة أو زيارة أقاربهم أو للسياحة الدينية في مكة والمدينة. إن تواجد مثل هذا الخليط الهائل من الناس باختلاف أصولهم وأعراقهم في حالة فريدة من الأمن والسلام والانسجام تجعل من عقدة الخوف الموجودة لدى البعض من فكرة السياحة في المملكة عقدة وهمية نتمنى أن تزول وأن نرى بلادنا تعج بالزائرين والسياح من كافة بقاع المعمورة.

12- كيف يمكن أن يتعامل مواطنو المملكة العربية السعودية مع مسألة تدفق السياح الى بلادهم؟ هل تعتقد بأنهم سينتقدون العادات الأكثر تحرر للزائرين، أم أن ما سينتصر في هذه الحالة هي تقاليد الضيافة الشهيرة واحترام الضيف؟

ج) شخصياً ، أؤمن تماماً أن تقاليد الضيافة واحترام الضيف والحرص على أمنه وسلامته هي الحالة التي ستستقر عليها الأمور وبأسرع مما يتخيل البعض، لأنه كما سبق أن أشرتُ ، فإن شعب المملكة معتادٌ جداً على التعايش مع ضيوف المملكة من كل شعوب العالم، علماً أنه سيتم الإعداد لذلك بالشكل المناسب من خلال مجموعة من المعايير التي ستنظم هذا القطاع. وأعتقد بأن ذلك سيكون لمصلحة الجميع، فالمملكة تملك مخزونا كبيرا وعريقا من المواقع الأثرية والسياحية المجهولة، وفتحها أمام الأعداد الكبيرة من السياح الراغبين بزيارتها والتعرف عليها سيساهم حتما بتبديد كثير من الصور النمطية القائمة.

13- كل شعب في هذا العالم يوسم بوصف خاص. ما الذي يمكن أن ينطبق في هذه الحالة على شعب المملكة العربية السعودية؟ كيف هم أبناء المملكة؟ وما الذي يُفرحهم أو أكثر ما يُزعجهم؟

ج – شعب المملكة هو شعب مضياف وطيّب يحترم تقاليد وعادات الآخرين ويحب أن تُحترم عاداته وتقاليده. ما هو جدير بالتنويه أن شعب المملكة يعتبر شعباً شاباً يشكل جيل الشباب غالبية عظمى فيه، وهذا الجيل جيل مثقف واطلع على كثير من ثقافات العالم عبر الابتعاث والسياحة، لذلك سيكون سعيداً إذا ما تعامل معه الآخرون في ضوء هذه الحقيقة.

 

14- عندما يقال "ثراء المملكة العربية السعودية" فأن كل شخص مادي في العالم الغربي يفكر فورا بالنفط. لكن ما هو الثراء الأكبر لهذا البلد حسب رأيك؟

ج – الثراء الأكبر لهذا البلد يكمن في عدد كبير من المقدرات الاستراتيجية الهامة والتي تتمثل في إرثها التاريخي الثقافي والحضاري العظيم ، إلى جانب تمتعها بضمير إنساني نبيل يدفعها دوماً إلى نجدة وإغاثة الشعوب المتضررة من الكوارث في المجتمع الدولي، وأخيراً وليس آخراً ما تحتويه من مكونات بشرية وطنية ملتفة حول قيادتها وعاشقة لكل ذرة من ثرى هذه البلاد.  

15- ما هي أكبر مشكلة تواجه المملكة العربية السعودية حاليا حسب رأيك؟

ج) أعتقد أننا كجزء لا يتجزأ من هذا العالم تشغلنا ذات القضايا التي تشغل دول العالم، وأهمها القضاء على الإرهاب والتطرف الذي يشكل التهديد الأكبر للأمن والسلام، ومحاربة الفساد الذي يشكل العدو الأكبر للتنمية الحقيقية، وهنا أودّ القول إن المملكة العربية السعودية تشهد الآن تصحيحاً جذرياً في مسيرتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفق رؤية طموحة لولي العهد الشاب الذي أكد أنه لن يسمح لأفكار التطرف أن تُشغلنا عن أهدافنا. إننا جميعاً في المملكة وراء قيادة تعمل بمطلق الجد على أن يسير المجتمع السعودي في مشروعه الحضاري مستنيراً بالوسطية والاعتدال والطموحات المشروعة.

16- هل هناك شيء تقدّره بالمسيحية؟

ج) المسيحية دينٌ كريم كبقية الأديان السماوية مثله مثل الدين الإسلامي والدين اليهودي وجميعها تدعو الى الخير والمحبة والسلام، وأودّ أن أشير هنا إلى حقيقة أخرى وهي أننا كعرب ومسلمين نولي الأمهات الكثير من الاحترام والتبجيل كوننا نقدر ونثمن دورهنّ الكبير في بناء منظومة الأخلاق وصلاح المجتمعات، وهذا ما ساهم بالتالي في تقديرنا واعتزازنا بالسيدة مريم بصفتها أمٌ عظيمة لرجل عظيم هو السيد المسيح. من جانب آخر، فإننا نعتز كثيراً بأشقائنا العرب الذين يدينون بالمسيحية والذين تجري في عروقهم ذات الدماء التي تجري في عروقنا ولهم نفس عاداتنا وتقاليدنا وتجمعنا بهم وحدة التاريخ والحاضر والمصير.

17- كيف تنظر الى تشيكيا والى المزاج التشيكي؟ ما الذي يعجبك وما الذي لا يعجبك؟ هل هناك شيء لا تتوقف عن الإعجاب به في مجتمعنا؟

ج) في الحقيقة لقد أعجبتُ جداً بجمال هذا البلد العريق، ورغم أنني لا زلت حديث عهد به، إلا أنني أستطيع القول أن المزاج التشيكي أثار اهتمامي واعجابي حيث يبدو تأثره الواضح بعراقة تاريخه وبالتالي اعتزازه الكبير بأصالة جذوره ومنبته. وأودّ هنا القول بأن أكثر ما يثير إعجابي في الشعب التشيكي هو قدرته على النهوض رغم تاريخه الحافل بالآلام والتضحيات الجسام. أحياناً وأنا أسير على ضفاف نهر فلتافا وأمعنُ النظر في المعالم الأثرية التي تنعكس في مياهه العذبة المتدفقة، ينتابني شعور غامر بأن المسيرة الحضارية لشعب تشيكيا مستمرة ومنسابة كانسياب هذا النهر الجميل.

18- ما أكثر ما تفتقد اليه من بلدك الأصلي؟ ما الذي تشتاق اليه أكثر من أي شيء آخر؟ هل تذوّقت الطعام التشيكي؟

ج) أفتقد هنا في الحقيقة الى البحر والطقس المعتدل، خصوصا خلال فصل الشتاء حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون درجة الصفر، ولكنها ضريبة لا بد من دفعها للاستمتاع من ثم بصيف براغ الجميل.  أما بالنسبة للطعام التشيكي، فقد قمت بتذوقه وتجربته في الأيام الأولى لوصولي إلى براغ، وكان ملفتاً للانتباه أن المطبخ التشيكي عامر بالعديد من الأطعمة والذي يشابه المطبخ السعودي إلى حد ما حيث يتقاطعان في احتوائهما على الأطعمة الغنية بمكوناتها والدسمة بمحتوياتها.

19- كيف وصلت الى عملك الحالي كسفير؟ ماذا كنت تعمل في المملكة العربية السعودية؟

ج) لقد تشرفتُ بخدمة بلادي في عدد من البعثات الدبلوماسية قبل أن أصبح سفيراً. أما عن عملي في وزارة الخارجية فقد كنتُ مكلفاً بملف العلاقات السعودية الأوروبية لفترة طويلة، الأمر الذي خلق لديّ حالة من الألفة مع الواقع الأوروبي وفهم سياساته وخباياه، وهذا ما ساعدني كثيراً فيما بعد عندما تشرفتُ بتعييني سفيراً للمقام السامي في التشيك وقبلها في فنلندا.

20- يقال بأن الطفولة هي أكثر ما يؤثر في حياة الإنسان. كيف كانت طفولتك؟ إذا رغبتُ بأن تتذكر لي شيئا من طفولتك، ما هي أول ذكرى تتوارد فورا الى ذهنك؟

ج) لقد نشأتُ في بلدة صغيرة في جنوب المملكة، وقد تركت بيئة تلك البلدة الوادعة والهادئة أثراً كبيراً في تكويني النفسي. كانت طفولتي هناك طفولة بسيطة وتحضرني هنا مفارقة طالما فكرتُ فيها فيما بعد، ففي أيام طفولتي كنا نعيش في ذلك العهد كأسر ممتدة يجتمع فيها أكثر من ثلاثة أجيال فتجد الأجداد والاباء والابناء يعيشون تحت سقف واحد ومع ذلك كانت العلاقات بسيطة ومتينة وغنية بالمحبة والعطف من الكبار، فيما كنا كأطفال ننظر إليهم بالكثير من الإجلال والتقدير، والمفارقة التي أقصدها هي ما نراه الآن إذا قارنّا هذه التركيبة القديمة للأسر الممتدة بتركيبة الأسر الحديثة صغيرة الحجم أي التي يسميها علماء الاجتماع أسرةً أوليةً أو نوويةً،  فهي تفتقد تلك العلاقات البسيطة والمتينة التي كانت موجودة في أسرنا الممتدة! في الحقيقة ، لقد فقدنا الكثير من ذلك الجمال بشكل عام بعد أن تحولت حياتنا إلى حياة صاخبة تعج بالأجهزة الالكترونية والازدحام المروري وضجيج المدن الكبيرة.

21- ما الذي يفترض بالدول الأوروبية أن تفعله كي تتحسن العلاقات ليس فقط مع المملكة العربية السعودية، لكن مع الدول العربية كلها؟

ج) أولاً، أودّ التنويه إلى أن الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ترتبط بعلاقات استراتيجية ومتميزة مع القارة الأوروبية، ولا يمكن إغفال حقائق الجغرافيا ودورها الكبير في تكوين هذه العلاقات باعتبار أوروبا الجار الذي يعيش على الضفاف الأخرى للبحر الأبيض المتوسط. كذلك من المهم لدى تحليلنا لهذه العلاقات أن نستحضر ظروف الحاضر المشترك سواء من حيث المصالح أو من حيث الأخطار المحدقة أو حتى من حيث الهموم المُلحة، وهي جميعها عوامل تستدعي منا جميعاً – عرباً وأوروبيين -أن نتحلى دائماً بثقافة قبول الاختلاف لدى الآخر في العادات والتقاليد، ونتجه الى الاستثمار في الأمور التي تجمعنا وأن نعمل معاً بروح الفريق الواحد لمواجهة التحديات الكبرى التي يزخر بها القرن الحادي والعشرين، وهي تحديات لم تعد الجهود المنفردة قادرة على التصدي لها. باختصار، يمكنني القول أن الواقع الحالي بات يفرض حقيقة واحدة وهي أن الشراكات الإقليمية والدولية يجب أن تبقى في حالة حراك حي ودائم من أجل عالم أكثر أمناً وسلاماً وازدهاراً.