أجرت صحيفة الاتحاد الاشتراكي حواراً مع سفير خادم الحرمين الشريفين بالرباط سعادة الدكتور/ محمد بن عبد الرحمن البشر تناول فيه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المملكة كما تطرق إلى القضية الفلسطينية والأزمة العراقية. ورداً على سؤال حول إمكانية الحديث عن عهد جديد بعد رحيل الملك فهد – طيب الله ثراه – وتولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – حفظه الله – الحكم، قال سعادته إن العهد الجديد هو امتداد للعهد السابق في جميع النواحي سواء منها السياسة الداخلية أو السياسة الخارجية معتبراً أن ذلك نهج دأب عليه الآخرون، ومعرباً عن اعتقاده بأنه سيكون هناك تطوير لما هو موجود الآن.

وتحدث سعادته عن السياق الذي جاء فيه قرار تعيين سعوديات في السلك الدبلوماسي فقال إن عمل المرأة السعودية ليس وليد اليوم، فهي قد دخلت الحياة العملية بشكل عام منذ إنشاء مدارس البنات على عهد الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز عليه رحمة الله .

وعن الإجراءات التي اتخذتها المملكة لمحاربة الإرهاب أمنيا وفكريا قال سعادة السفير إن المملكة قامت بخطوات كبيرة في هذا السياق واستطاعت أجهزة الأمن القضاء على البؤر الإرهابية ونفى أن تكون المناهج التعليمية السعودية مسئولة عن إنتاج فكر التطرف، خاصة وأن من هؤلاء المتطرفين من تلقى تعليمه خارج المملكة إما في دول عربية أو أجنبية وقال إن الذين فجروا لندن والمغرب لم يتعلموا بكل تأكيد في المملكة وكذلك الحال بالنسبة للمغربي الذي فجر في المملكة.

ورداً على سؤال حول دعوة بعض المثقفين السعوديين إلى (تحديث وعصرنة النظام السعودي واحترام حقوق الإنسان) أجاب سعادة سفير خادم الحرمين الشريفين بأن (الذي شرع حقوق الإنسان قبل كل شيء هو الإسلام. فقد أعطى كل ذي حق حقه. وحرم على الناس دماءهم وأعراضهم وأموالهم، وأعطى حرية التفكير وحرية العقل وحرية الاختيار). وقال إن (الإسلام نير ومفتوح والمملكة نهجها إسلامي، واعتقد أن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية محفوظة ومصانة. أما الأسلوب فاعتقد أنه ليس من العدل القول إن هناك أسلوبا واحدا، وعلى العالم أن يسير عليه. هذا نفسه ضد حقوق الإنسان، فكأننا نعمل بالمقلوب. نشترط على الناس أن ينهجوا نهجا واحدا في الديمقراطية ونهجا واحدا في حقوق الإنسان. وإذا اختلف العالم عن ذلك النهج يعتبر غير ديمقراطي. هذا عكس الديمقراطية وعكس حقوق الإنسان. حقوق الإنسان هي أن تعطي الإنسان الحرية في الوصول إلى حقه بطرق مختلفة. فطالما أننا نعطي الإنسان حقه في كل شيء وبالأسلوب الذي يتناسب مع مجتمعنا. فاعتقد أن هذا أسلوب من أساليب حقوق الإنسان). وأكد أن هناك أشياء تحدث في المملكة لا يتخيلها إنسان في حفظ حقوق الإنسان وأمواله إضافة إلى التسامح الذي يفوق الوصف.

عن (الموقف من الأقلية الشيعية بالمملكة على حد تعبير الصحفي المحاور) قال سعادة السفير إن الشيعة والسنة في المملكة يعيشون سواسية ولا يوجد فرق بين هذا وذاك فالكل يتعاملون سوياً ويفكرون سوياً ويجهرون بأفكارهم بصوت واضح. أما بالنسبة لما ورد في سؤال الصحفي عن عريضة المطالب المسماة (شركاء في الوطن) التي قدمتها شخصيات شيعية إلى سمو ولي العهد آنذاك في 30 أبريل 2004م، قال سعادته إن ذلك يعتبر شهادة على وجود الديمقراطية في المملكة. لأن قيام هؤلاء بتقديم عريضة للملك عبد الله يقولون فيها إننا نرى كذا وكذا، وأيضا ذهاب الناس إلى الملك والتظلم لديه، يعتبر حقا لأي فرد أو مجموعة في السعودية. وأوضح أنه طالما أن المملكة تعطي الإنسان حقه في كل شيء وبالأسلوب الذي يتناسب مع المجتمع السعودي، فان هذا يعتبر أسلوباً من أساليب حقوق الإنسان.

وفي سؤال للصحيفة بشأن ما روجته بعض وسائل الإعلام حول موافقة المملكة على رفع المقاطعة الاقتصادية من الدرجتين الثانية والثالثة عن إسرائيل الأمر الذي اعتبرته الصحيفة (ضربة للتضامن العربي من قبل دولة عربية كبرى يعول عليها كثيراً في الحفاظ على هذا التضامن)، أكد سعادة السفير أن كل العالم العربي يشهد بأن المملكة العربية السعودية هي من أكثر الدول العربية حرصاً على التضامن العربي ومن أكثر الدول العربية مناصرة للقضية الفلسطينية وأن ما تناقلته وسائل الإعلام أمر يختلف عن الواقع، لأن المملكة ستصبح عضوا في منظمة التجارة العالمية وهي كأي عضو سوف تقوم بالالتزامات المتوجبة عليها من خلال هذه المنظمة. وعندما طرح الصحفي سؤالا عما إذا كانت هذه الالتزامات تتضمن التعامل مع إسرائيل، أوضح سعادة السفير أن المملكة عضو في منظمة التجارة ولكن لكل دولة سيادتها وتتعامل بما يتناسب مع وضعها.

وبالنسبة لموضوع الانسحاب الإسرائيلي من غزة والحل المتصور للقضية الفلسطينية قال سعادته إن الانسحاب الإسرائيلي خطوة غير مكتملة لأن المطلوب هو الانسحاب مع جميع الأراضي العربية المحتلة وليس من جزء بسيط من أراض عربية محتلة. موضحا أن حتى هذا الانسحاب من غزة لم يكتمل فالبحر ما زال بأيدي الإسرائيليين وكذلك السماء، وقد تحدثت وسائل الإعلام عن رغبتهم في وضع شريط أمني في غزة. وأعرب سعادته عن اعتقاده بأن إسرائيل تريد أن توحي للعالم بأنها عملت شيئا في سبيل السلام ولكنها في الواقع تضع العراقيل أمامه. وقال الصحفي المحاور إن كثيرا من الدول العربية تستعد للتطبيع مع إسرائيل متعللة بانسحابها من غزة. وقد أكد سعادة السفير أن المملكة لم تخطو أية خطوة في هذا الاتجاه لأن لها تصوراً كاملاً هو الانسحاب الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس الشريف وعودة اللاجئين أو إيجاد حل لقضيتهم. موضحا أنه عندما ينتهي هذا الأمر سيتم التطبيع وأن المملكة ملتزمة بذلك من خلال مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – حفظه الله – التي تم تبنيها في القمة العربية ببيروت وأصبحت مبادرة عربية. وأعرب عن اعتقاده بأن هذه المبادرة مازالت تملك مقومات الحياة بالرغم من أن السياسة ضغوط وأخذ وعطاء.

وفي ما يتعلق بالأزمة العراقية قال سعادة السفير إن موضوع العراق موضوع شائك وعبر عن أمله في وصول العراقيين إلى تعاون يدفعهم إلى الاستقرار مؤكداً ضرورة الحفاظ على وحد العراق وعروبته. وأشار إلى أن المملكة حريصة على أن يجتمع العراقيون على كلمة سواء تحقق لهم وحدة بلادهم وعروبة أراضيهم.

وعن السياسة النفطية للمملكة في ظل الأزمة العالمية الحالية لارتفاع الأسعار قال سعادته إن المملكة العربية السعودية هي أكبر دولة منتجة للبترول في العالم وهي أكبر دولة مصدرة للبترول في العالم كذلك وأن العالم يعول عليها كثيراً. وهي تنتج الآن 11 مليون برميل نفط يوميا، وتعمل جاهدة على تغطية أي نقص في المعروض العالمي من البترول. لكن مشكلة البترول ليس البترول الخام فقط ولكن المشكلة هي في النقص الحاصل في البترول المكرر. فالمشكلة هي مشكلة مصاف، وليست هناك كمية كافية من المصافي تستطيع أن تنتج مشتقات بترولية مثل البنزين وما إلى ذلك. إذن المشكلة ليست مشكلة كمية نفط خام.

الأمر الثاني هو أن المملكة العربية السعودية بدأت الآن في تطوير حقول سابقة واستخدام حقول جديدة . وأعتقد أن هناك خطة لزيادة الإنتاج إلى 12 مليون برميل يوميا في السنوات القادمة ومنها إلى 15 مليون برميل في السنوات التي تليها. فهناك خطة حقا كبيرة، واعتقد أن المملكة العربية السعودية ستعمل جاهدة مع الدول المنتجة الأخرى على توفير الكمية الكافية التي تغطي الطلب العالمي.

وختم سعادة سفير خادم الحرمين الشريفين هذا الحوار بالحديث عن العلاقات السعودية المغربية وقال إن العلاقة مميزة بين الأسرتين المالكتين في المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية، وإن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وجلالة الملك محمد السادس يرعيان هذه العلاقة الممتازة والمميزة .

وأشار إلى أن الاستقبال الذي خصّ به جلالة العاهل المغربي الملك محمد السادس صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام عند زيارته الخاصة مؤخرا إلى المغرب يعتبر لمسة من اللمسات العائلية والرائعة التي تجسد هذه العلاقة الممتازة بين البلدين.