10/01/2011
تزامنا مع احتفالات سلطنة عمان الشقيقة بعيدها الوطني الأربعين أجرت مجلة (أعمال الخليج) في عددها الخامس نوفمبر / ديسمبر 2010 حوارا مع سعادة السفير عبد العزيز بن سليمان التركي سفير المملكة لدى سلطنة عمان ، تحدث فيه عن أبرز ملامح شخصية جلالة السلطان قابوس بن سعيد وانعكاسها على الأداء السياسي العماني وتقديره لما حققته السلطنة وما تشهده من حراك تنموي وإنجازات كبيرة في بناء الدولة العصرية ، وكذلك عن العلاقات السعودية العمانية الوطيدة ، معربا عن تهاني خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز لجلالة السلطان قابوس بمناسبة العيد الوطني الأربعين للسلطنة ، ومقدرا للشعب العماني سمو أخلاقه وكرمه لما يحيط به إخوانه السعوديين من رعاية وحفاوة وصدق في التعاون والتعامل .
وتصدر مجلة (أعمال الخليج) عن الأمانة العامة لاتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي ، ويرأس تحريرها الشيخ صالح بن هلال الخليلي .
وفيما يلي نص الحوار:
التوازن والحكمة
* ما هي رؤيتكم للسياسة الخارجية العمانية، وطريقة تعاملها مع القضايا الإقليمية والدولية ؟
** دائما ما كنت أتابع بإكبار مواقف السلطنة السياسية ، فرأيتها تتسم بالحياد والعدل والنظرة الموضوعية ولا يستطيع كل من عاش في سلطنة عمان أو سمع أو قرأ عنها - وخاصة منذ بداية نهضتها المباركة - إلا أن يبدي إعجابه بتوازن وحكمة السياسة الخارجية العمانية وتوجيهات جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم الذي اتخذ نهج التسامح والاحترام المتبادل مع العالم وخاصة مع جيرانه ، إنها سياسة تتميز بالحيادية على المستوى الدولي ، مما وفر لها المناخ الملائم للبناء والتطوير على المستوى الداخلي وقد نجحت بذلك بالفعل، فقد ابتعدت السلطنة بقيادتها الحكيمة عن المهاترات السياسية والصراعات والتكتلات ، حتى غدت دولة فتية راسخة قوية وشامخة ، تمد يدها بالسلام والصداقة لمختلف الدول والشعوب على امتداد المنطقة والعالم ، لتحقق الخير والتقدم والازدهار لأبنائها، وبكل السبل التي يمكنهم المشاركة من خلالها بإخلاص وتفانٍ . وهذا من أسباب الاستقرار والأمن الذي يتمتع به هذا البلد الشقيق – أدام الله عليه هذه النعمة - .
من عظماء التاريخ
* من وجهة نظركم ، ما هي أبرز ملامح شخصية جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ؟ وكيف انعكست على الأداء السياسي العماني في العلاقات الخارجية ؟
** بصراحة ليس من السهل أن تتحدث عن قائد يعتبر من عظماء التاريخ ومن أبرز القادة العرب , ورغم ذلك أستطيع القول إن جلالة السلطان قابوس قائد غيَّر تاريخ دولة بأكملها فمسح عنها غبار العزلة والتخلف والجمود وأعاد بناءها من جديد بتعاونه مع شعبه , قائد رسم ملامح مستقبل بلاده بوعي وحكمة فاهتم بتنمية المواطن العماني على أساس المواطن الشريك , وخاض معارك مهمة في سبيل إحلال الحداثة .
والمتفحص لشخصية جلالة السلطان قابوس سيري أنها صبغت الشخصية العمانية بكثير من الصفات التي تتسم بها من حيث التواضع والاحتفاظ بالقيم الإسلامية العربية الأصيلة والنبيلة والتحلي بفضيلة العمل الجاد في صمت بعيدا عن الصخب والضجيج حيث تكون الأقوال أكبر بكثير من حجم الأفعال. واستطاع جلالته بتسامحه وانفتاحه على الداخل والخارج أن يُكْسِبَ الأداء السياسي للدبلوماسية العمانية في العلاقات الخارجية أبرز سمات الشخصية العمانية المعروفة بالهدوء والصراحة والوضوح في التعامل مع الآخرين ، بعيدا عن الازدواجية و الحرص على بذل كل ما هو ممكن لدعم أية تحركات خيرة تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة والحد من التوتر خليجيا وعربيا ودوليا ، مما مكنه من توظيف الدبلوماسية في خدمة أمن بلاده واستقرارها ، فقد كان جلالته دوما مناديا وممارسا للانفتاح والحوار والاحترام المشترك بين الثقافة والشعوب والعقائد، ومعرفة الآخر عبر تواصل واسع الآفاق يجني ثماره كافة البشر بغض النظر عن الانتماءات الجغرافية، أو القومية أو السياسية أو الفكرية ، وهذا ما يميز الخط الذي انتهجته السلطنة في شتى المجالات طوال أربعين عاما من نهضتها الحديثة .
وهنا دعني أقتبس قول جلالته في إحدى كلماته لشعبه عندما قال : ( إن أفضل النظم السياسية هي المستمدة من خصوصيات الشعوب ومن تراثها وثقافاتها وإرثها الاجتماعي والسياسي ) .
شهادات عالمية
* كيف تنظرون للأداء الداخلي في شأن المسائل الاقتصادية والاجتماعية .. والمرأة والحقوق الإنسان ؟
** تغنيني عن الإجابة على سؤالك هذا ماحَصُلَت وتَحْصُل عليه السلطنة من مراكز متقدمة وشهادات قيِّمة من جهات ومؤسسات عالمية لها وزنها والتي كان آخرها تصنيف تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة للسلطنة في المرتبة الأولى من حيث سرعة معدلات التنمية البشرية ، ومن حيث ارتباط ذلك بعنصري التعليم والصحة وليس بالعائدات النفطية وهو أمر بالغ الدلالة فيما يتعلق بنجاح وفعالية الاختيارات والأولويات التي حددها جلالة السلطان قابوس منذ البداية ، وما أعلنه مؤخرا معالي احمد بن عبدالنبي مكي وزير الاقتصاد الوطني من أرقام حول الإنفاق العام ومضاعفة الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة مائة وسبعين ضعفا خلال الأربعين عاما الماضية يتطلب التوقف أمامه لأنه ببساطة يعبر عن حجم الجهد الذي بذل . وليس مصادفة أن يكون الاقتصاد العماني هو أكثر الاقتصادات العربية نموا خلال الأعوام الخمسين الماضية وفق دراسات علمية جرت وأعلن عنها قبل عدة أشهر.
أما عن المرأة العمانية فكانت دائما موضع اهتمام كبير ومتواصل ، فحظيت برعاية يحسدها عليها كثير من النساء في كثير من بلدان العالم , فنشر الوعي بحقوق المرأة بات علامة بارزة في المسيرة العمانية الذي جعل لها دورا في مختلف مجالات الحياة والمواقع السياسية والاجتماعية.فشقت طريقها إلى أعلى المناصب فتجدها وزير ووكيلة وزارة وسفيرة وعضوة في مجلسي الدولة والشورى والإدعاء العام .
وأما عن الشق الثالث من سؤالك وهو حقوق الإنسان في سلطنة عمان ، فأقول لك إن سِجِلَّ حقوق الإنسان في هذا البلد سِجِلٌ مشرق ، ليس نتيجة انصياع لما تمليه المنظمات الدولية المختصة ، أو تحسين صورة في المؤسسات الدولية ، إنما كقيمة حضارية عالية متأصلة في المجتمع العماني ، ونظام متبع في التعاملات الإنسانية والحياتية بين شرائح المجتمع و فئاته .
استقرار سياسي وأمني
* كيف تقيِّمون ما تحقق خلال أربعين عاما على أرض السلطنة ؟
** لا أبالغ إذا قلت إنه بالرغم من أن فترة العقود الأربعة الماضية من عمر مسيرة النهضة المباركة هي مدة قصيرة في عمر الشعوب وبمعايير التطور الاقتصادي والاجتماعي المعروفة، إلا أن ما تم إنجازه على صعيد بناء الدولة العصرية في سلطنة عمان الشقيقة هو في الواقع إنجاز كبير وملموس ويعود الفضل فيه – بعد الله - إلى باني نهضة عمان الحديثة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ـ وإلى فكر جلالته المستنير، وإلى ما وفره جلالته منذ بداية انطلاق المسيرة من فرص واسعة ومتواصلة لكي يساهم المواطن العماني، في إعلاء صرح هذه الدولة الفتية ، فما يجري في السلطنة اليوم يدعو بالفعل للإعجاب بدءا من التطور العمراني والتخطيط العصري ، وليس انتهاء بما باتت تمتلكه السلطنة من مشروعات اقتصادية عملاقة ومدن صناعية ، هذا فضلا عن اعتزازي بما حَصُلَت وتَحْصُلُ عليه السلطنة من الجوائز والشهادات من المؤسسات والمنظمات العالمية في مجالات عدة تقديرا لما تتمتع به من استقرار اقتصادي وسياسي وأمني .
محور ارتكاز للسلام
* كيف تثمنون التعاون بين السلطنة والمملكة الشقيقة ؟ مع ذكر الشواهد ؟
** يمثل التنسيق والتشاور المستمر بين الزعيمين العربيين الكبيرين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأخيه جلالة السلطان قابوس بن سعيد محورَ ارتكاز مهماً للجهود الرامية إلى إحلال السلام والاستقرار في ربوع العالم. لقد تمكنا بالتعاون مع جميع الأطراف المعنية بالسلام من القيام بأدوار بالغة الأهمية في تعزيز السلام والأمن والاستقرار على الساحات الإقليمية والدولية ، كما قدما دعما غير محدود لكل الجهود في هذا الإطار .
كما يقوم العاهلان بجهود كبيرة تستهدف تطوير التعاون المشترك بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من جهة وتفعيل العلاقات العربية- العربية مع السعي نحو تعزيز التضامن العربي من جهة أخرى، إلى جانب إرساء أسس محاور ارتكاز متجددة للعمل العربي المشترك والتعاون الدولي المثمر في ميادين لا ترتبط بالجوانب السياسية والدبلوماسية التقليدية وحدها إنما تشمل جميع المجالات الثقافية والإعلامية والاقتصادية والبيئية .
ومن جانب آخر آمل أن تشهد العلاقات السعودية العمانية خلال الفترة القادمة مزيدا من النشاط في مختلف المجالات بما يحقق طموح الشعبين الشقيقين ، خاصة وأن المنفذ الحدودي (الربع الخالي) سيكون قد تم تنفيذه ، وهو منفذ على جانب كبير من الأهمية سيسهل التنقل بسهولة ويسر بين البلدين ويسهم في تنمية التجارة والسياحة البينية ، مما سيعزز العلاقات الثنائية بين البلدين على الصعيد الشعبي وعلى صعيد التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة وحركة السياحة بالإضافة إلى التبادل الثقافي، كما سيزيد عدد القادمين من المملكة إلى سلطنة عمان والقادمين من سلطنة عمان إلى المملكة ، سواء للتجارة أو للسياحة أو غير ذلك . وحسب الإحصائيات الأخيرة فقد زاد حجم التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين الشقيقين . ولا شك أن هناك طموحا مستمرا لزيادة حجم التبادل التجاري بينهما وسيتحقق ذلك في القريب العاجل إن شاء الله ، حيث اتفق عاهلا البلدين في آخر لقاء لهما على زيادة معدل الميزان التجاري بين البلدين بما يخدم أهداف الشعبين وتطلعاتهما ويساهم في تنمية التجارة والاقتصاد بينهما ، ويوسع آفاق السياحة والاستثمار فيهما . وأنوه إلى أن هناك اتفاقية موقعة بين البلدين لإنشاء مجلس رجال الأعمال العماني السعودي ليلعب دوره في توثيق الروابط وفتح آفاق الاستثمار أمام الأشقاء في كلا البلدين .
تقدير خادم الحرمين الشريفين
* هل لكم من كلمة بمناسبة العيد الوطني الأربعين للسلطنة ؟
** نيابة عن كل منسوبي السفارة السعودية في مسقط والمواطنين السعوديين المقيمين في سلطنة عمان يشرفني أن أرفع أسمى آيات التهاني وأَجل عبارات الأماني للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم وللشعب العماني الشقيق بمناسبة احتفال السلطنة هذا العام بعيدها الوطني الأربعين ، سائلا المولى جل وعلا أن يحفظ جلالته وأن يحفظ عمان آمنة مطمئنة وإلى الأمام دائما بعون الله ورعايته ، كما يشرفني بهذه المناسبة المجيدة أن أنقل إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله - وحكومته الموقرة وشعب سلطنة عمان الشقيق تحيات وتقدير خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز – حفظهما الله - .. كما أنتهز هذه السانحة أيضا لأتقدم للشعب العماني الأبي بخالص شكري وتقديري على سمو أخلاقه وكرمه لما يحيط به إخوانه السعوديين من رعاية وحفاوة وصدق في التعامل والتعاون ، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم علينا جميعا نعمه في ظل قيادة عاهلي البلدين وأن يديم الحب والصفاء والأمن والاستقرار بين شعوب المنطقة بأسرها .
كما أود في النهاية أن أتوجه بالشكر لمجلتكم الغراء ( أعمال الخليج ) والقائمين عليها لإتاحة الفرصة لهذا الحوار الطيب وتمنياتي لهم بدوام التوفيق والسداد .