أجرت مجلة (عالم الاقتصاد والأعمال) التي تصدر في سلطنة عمان في عدديها الثاني والأربعين والثالث والأربعين لشهري (فبراير ومارس) حوارا مع سعادة السفير عبد العزيز بن سليمان التركي سفير المملكة لدى سلطنة عمان ، تحدث فيه سعادته عن الأهمية التي يشكلها أول منفذ حدودي يربط المملكة بسلطنة عمان الشقيقة وهو منفذ الربع الخالي بعد أن يتم افتتاحه ، والمكاسب المتوقعة منه للبلدين ، كما تطرق الحوار إلى الروابط والعلاقات الوثيقة والتقارب في وجهات النظر بينهما فيما يخص القضايا الإقليمية والدولية ، فضلا عن حجم الميزان التجاري بين السلطنة والمملكة وما تحقق على صعيد التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين .

وفيما يلي نص الحوار :

لا تعبر سطور قليلة عن العلاقات السعودية العمانية ، فالعلاقة متجذرة في عمق الزمن والتاريخ .. بهذه الكلمات وصف سعادة عبد العزيز بن سليمان التركي سفير المملكة العربية السعودية في مسقط في حديثه مع (عالم الاقتصاد والأعمال) علاقة بلاده بالسلطنة ..

حاوره / خلفان الرحبي

* ما الأهمية التي يشكلها افتتاح أول منفذ حدودي يربط السلطنة بالمملكة ؟

** هذا المشروع جاء تنفيذا لرغبة مشتركة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وأخيه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بعد لقاء جمعهما بالمملكة انطلاقا من عمق الروابط القائمة بين السلطنة والمملكة العربية السعودية وتجسيدا لعلاقاتهما الأخوية المتميزة وفي إطار الحرص على تنمية العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين في مختلف المجالات وتسهيل حركة التنقل وزيادة مستوى التبادل التجاري وانتقال البضائع فيما بينهما من خلال ربط شبكة الطرق بين البلدين بما يخدم التنمية فيهما .. وبناء على هذه التوجيهات كان قد صدر بيان مشترك في العام 2006 بعد اجتماع لسلطات الحدود من الدرجة الأعلى في البلدين في مدينة الرياض ضم صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود وزير الداخلية بالمملكة وأخاه معالي السيد سعود بن إبراهيم البوسعيدى وزير الداخلية  في السلطنة وتم الإعلان فيه رسميا عن البدء في إنشاء منفذ حدودي بين البلدين الشقيقين ( وهو منفذ الربع الخالي من جانب المملكة ورملة خيلة من جانب السلطنة – وإن كان قد صدرت الأوامر في السلطنة مؤخرا بتغيير اسم المنفذ إلى منفذ الربع الخالي ليتطابق اسما المنفذين في البلدين - ) .

 

أما عن الأهمية التي يشكلها هذا المنفذ ، فهو يمثل أهمية إستراتيجية في تعزيز الروابط الأخوية بين البلدين الشقيقين وما يمكن أن يشكله من بعد تنموي بينهما ، فمن قطع هذه الصحراء من قبل يمكنه أن يتصور القيمة المضافة للشعبين الشقيقين من وراء افتتاح هذا المنفذ ، فطول المسافات والطبيعة الصحراوية والمناخ الصعب الذي يعانيه المسافر يجعل اختصار الوقت والجهد والمال أمرا عزيز المنال .

 

* ما هي المكاسب التي تتوقعون أن يجنيها البلدان عند افتتاح المنفذ ؟

** لعل الأهم في ذلك هو زيادة أواصر القربى ووشائج المحبة وترسيخ تلك العلاقة المتجذرة بين شعبي البلدين ، هذا فضلا عن القيمة الاقتصادية له ، حيث ستزيد بين البلدين الحركة الاقتصادية والتجارية النشطة بالنظر إلى اعتماد أبناء المنطقة على حركة التصدير والاستيراد والمرور (الترانزيت) للبضائع والأفراد ، وتنمية السياحة البينية ، وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين على الصعيد الشعبي وعلى صعيد الاستثمارات المشتركة بالإضافة إلى التبادل الثقافي، كما سيزيد عدد القادمين من المملكة إلى سلطنة عمان والقادمين من سلطنة عمان إلى المملكة ، سواء للتجارة أو للسياحة أو غير ذلك ولن تقتصر الخدمات التي سيؤديها هذا المنفذ للشعبين العماني والسعودي فقط وإنما سيعمل على تيسير حركة المرور بسهولة ويسر بشكل عام خاصة في أوقات الزحام مثل أيام الحج والعمرة بما يجعل المنفذ الجديد وسيلة لخدمة كافة العرب والمسلمين القاطنين أو عابري السبيل . ومن القيمة المضافة لإنشاء منفذ الربع الخالي قيام مشروعات استثمارية للخدمات والتموين والوقود على طول الطريق من وإلى المنفذ تفتح بدورها مجالات عمل لأبناء المناطق القريبة على وجه والخصوص. والمعروف أن حركة السفر بالبر بين السلطنة والمملكة العربية السعودية كانت ـ ولا تزال إلى حين افتتاح المنفذ ـ تمر عبر دولة ثالثة، ولنا أن نتصور صعوبة واحتياطات المرور بين البُلدان وما تقتضيه ذلك من اعتبارات رسمية تطيل أمد السفر وتحمل المسافرين، خاصة من غير مواطني المجلس، أعباء كبيرة .

 

* متى تتوقعون أن يكون المنفذ سالكا للاستخدام ، وما هي نسبة الانتهاء من مراحله في الجانب السعودي ؟

** في الواقع إن هذا المشروع الضخم جوبهت الشركات التي أسند إليها تنفيذه بكثير من المعوقات والصعاب والعقبات من حيث كثرة المتعرجات والكهوف والكثبان الرملية المتحركة ، وأتصور أن الصيانة الدائمة والمستمرة للطرق لتخليصها من انتقال الرمال المتحركة هي من أشد المعوقات مما اضطر الجهات المسؤولة في المملكة لتخصيص ميزانية ضخمة له ، وبالفعل تم ترسية مشروع إنجاز هذا الطريق على إحدى الشركات المحلية التي تقدمت للمنافسة ، وتم تنفيذ المرحلة الأولى منه بطول 390 كم ، أما المرحلة الثانية ( وهي من حقل شيبة وحتى الحدود العمانية ) وهي بطول 190 كيلومترا وهي في الحقيقة من أصعب المناطق في منطقة الربع الخالي نظرا لارتفاع الكثبان الرملية فيها.

 

* ما هو حجم الميزان التجاري بين البلدين ؟

** في الحقيقة تطورت تجارة المملكة مع دول العالم خلال الفترة من عام 2000 إلى العام 2009 م وسجل الميزان التجاري للمملكة خلال تلك الفترة فائضا ، وحسب نشرة التبادل التجاري بين المملكة وشركائها التجاريين الرئيسيين الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات ، فقد بلغت قيمة الصادرات السعودية إلى سلطنة عمان في العام 2009 م 2940 مليون ريال سعودي تمثل ما نسبته 0.41% من إجمالي صادرات المملكة ، والواردات منها 1453 مليون ريال تمثل أيضا ما نسبته 0.41% من إجمالي الواردات إلى المملكة ليحقق ميزان التجاري فائضا لصالح المملكة بقيمة 1487 مليون ريال . وحسب تلك الإحصائيات فقد زاد حجم التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين الشقيقين . ولا شك أن هناك طموحا مستمرا لزيادته ، وسيتحقق ذلك في القريب العاجل إن شاء الله ، حيث اتفق عاهلا البلدين في آخر لقاء لهما على زيادة معدل الميزان التجاري بين البلدين بما يخدم أهداف الشعبين وتطلعاتهما ويساهم في تنمية التجارة والاقتصاد بينهما ، ويوسع آفاق السياحة والاستثمار فيهما . وأنوه إلى أن هناك اتفاقية موقعة بين البلدين لإنشاء مجلس رجال الأعمال العماني السعودي ليلعب دوره في توثيق الروابط وفتح آفاق الاستثمار أمام الأشقاء في كلا البلدين .

* سعادة السفير .. كيف تقيمون العلاقات الثنائية بين السلطنة والمملكة ؟

** لا تعبر سطور قليلة عن العلاقات السعودية العمانية ، ولكن أقول إن تلك العلاقات متجذرة في عمق الزمن والتاريخ  نظرا لعمق الروابط بين الشعبين وموقع بلديهما الاستراتيجي ، وقد عززت الأحداث والمواقف متانة تلك الروابط ، كما تشكل الدولتان جزءاً حيويا لا يتجزأ من المنظومة الخليجية العربية ، وهما تتمتعان بعلاقات أخوية ذات شواهد متعددة ، والمواقف الكبيرة والعظيمة والأفكار النيرة للقيادتين تقف شاهدة على عمق العلاقات الثنائية التي تتميز بالشفافية بين مسقط والرياض على مختلف المسارات .

* ما أبرز ما يربط البلدين ؟

** في إطار منظومتنا الخليجية العربية ، ليس هناك ما يمثل قوى الارتباط والاستمرارية والمحافظة على الهوية مثل الإسلام الصحيح المعتدل ، عقيدة وشريعة وتراثا وقيما وسلوكا لمنظومة اجتماعية وثقافية متكاملة ، صاغت وبلورت ملامح الهوية لشعوبنا العربية والإسلامية عبر قرون مضت ، هذا فضلا عن وشائج قربى بين المملكة والسلطنة توثق عرى هذا الارتباط من لغة وتاريخ وجوار وموروث اجتماعي ومصير مشترك .

* هل تجدون تقاربا في وجهات نظر البلدين فيما يخص القضايا الإقليمية والدولية ؟

** يمثل التنسيق والتشاور المستمر بين الزعيمين العربيين الكبيرين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأخيه جلالة السلطان قابوس بن سعيد محورَ ارتكاز مهماً للجهود الرامية إلى إحلال السلام والاستقرار في ربوع العالم ، فتمكنا بالتعاون مع جميع الأطراف المعنية بالسلام من القيام بأدوار بالغة الأهمية في تعزيز السلام والأمن والاستقرار على الساحات الإقليمية والدولية ، كما قدما دعما غير محدود لكل الجهود في هذا الإطار .

وتضيف السياسة الخارجية للدولتين بعدا آخر في علاقتهما، فالبلدان - بما حباهما الله من قيادة حكيمة - يتبعان سياسة خارجية تتسم بالدبلوماسية الهادئة التي تدعو إلى الحوار وتضع كل الإمكانات في خدمة مصالح الوطن والدفاع عن القضايا القومية ، وهما بما لهما من ثقل في المنطقة يسجلان حضورا دوليا وإقليميا يشهد به الجميع من خلال معالجتهما للكثير من المشاكل التي طرأت وتطرأ على الساحة . هذا فضلا عما يقوم به العاهلان من جهود كبيرة تستهدف تطوير التعاون المشترك بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من جهة وتفعيل العلاقات العربية- العربية مع السعي نحو تعزيز التضامن العربي من جهة أخرى، إلى جانب إرساء أسس محاور ارتكاز متجددة للعمل العربي المشترك والتعاون الدولي المثمر في ميادين لا ترتبط بالجوانب السياسية والدبلوماسية التقليدية وحدها إنما تشمل جميع المجالات الثقافية والإعلامية والاقتصادية والبيئية .

* كيف استطاع قائدا البلدين جلالة السلطان قابوس وخادم الحرمين الشريفين تعزيز علاقات البلدين ؟

** يمكنني القول إن التواصل التاريخي لم تنقطع مسيرته على مر تاريخ العلاقات بين البلدين سواء على مستوى القمة أو على مستوى المواطن العادي . فالمواطن العماني لا يشعر بالغربة في المملكة، والسعودي ينظر إلى السلطنة باعتبارها بلده الثاني ، ولا شك أن التواصل المستمر بين القيادتين الحكيمتين يشكل لبنة قوية في صرح العلاقات بين البلدين الشقيقين، ينعكس أثره على جميع المجالات اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا  ، فلم يكن من المصادفة أبدا أن تكون مسقط هي أول عاصمة خليجية يزورها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله  بن عبد العزيز بعد مبايعته ملكا للمملكة العربية السعودية ، كما أنه ليست مصادفة أيضا أن  تكون السلطنة هي أولى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تطبق الانتقال بالهوية الشخصية مع شقيقتها المملكة العربية السعودية . وما فتح المنفذ الحدودي بين البلدين بتوجيهات منهما – حفظهما الله - إلا ترسيخ لهذه العلاقة الوطيدة .

* ما هي أبرز الانجازات التي تحققت على صعيد التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين ؟

** إن حجم التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين الشقيقين المملكة والسلطنة في تزايد وتحسن مستمرَّيْن فحسب الإحصاءات نلاحظ ارتفاع القيمة الإجمالية لصادرات المملكة غير البترولية ذات المنشأ الوطني إلى دول مجلس التعاون .

ولا شك أن هناك طموح مستمر لزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين وسيتحقق ذلك في القريب العاجل إن شاء الله ، حيث اتفق عاهلا البلدين في آخر لقاء لهما على زيادة معدل الميزان التجاري بين البلدين بما يخدم أهداف الشعبين وتطلعاتهما وبما يساهم في تنمية التجارة والاقتصاد بينهما ، ويوسع آفاق السياحة والاستثمار فيهما . وسوف تشهد المرحلة القادمة نشاطا ملحوظا بين الأجهزة المالية والاقتصادية والتجارية والجمركية بين البلدين بما يسهم في تحقيق تلك الغاية . وأنوه إلى أن هناك اتفاقية موقعة بين البلدين لإنشاء مجلس رجال الأعمال العماني السعودي ليلعب دوره في توثيق الروابط وفتح آفاق الاستثمار أمام الأشقاء في كلا البلدين .

* كم يبلغ إجمالي المواطنين السعوديين الذين يعملون أو يدرسون في السلطنة ؟

في الحقيقة ليست لدي حاليا إحصائية دقيقة عن عدد السعوديين المقيمين في السلطنة بالنظر لكثرة ترددهم بينها وبين المملكة ، ولكن من الممكن إحصاء الذين يعملون في عدد من الجهات أو يدرسون في مدارس التربية والتعليم ومؤسسات التعليم العالي العمانية حيث يقترب عددهم من الثلاثمائة ، ومؤكد أن هذا الرقم يزيد إذا ما علم أن عددا من السعوديين يعيشون في أماكن بعيدة عن العاصمة ولا يستطيعون الحضور للسفارة لتسجيل أسمائهم .

* كلمة أخيرة لسعادتكم ..

أود أن أوجه الشكر لمجلتكم الغراء ( عالم الاقتصاد والأعمال ) والقائمين عليها لإتاحتها الفرصة لهذا اللقاء ، ولا يسعني في الختام إلا أن أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ قائدي البلدين الشقيقين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأخاه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ، وأن يلهمهما مزيداً من بعد الرؤية ونفاذ البصيرة ليقدما المزيد لشعبيهما سواء في إطار التعاون الثنائي أو في إطار التكامل والعمل الخليجي المشترك . كما لا يفوتني أن أعبر بالأصالة عن نفسي ونيابة عن المواطنين السعوديين المقيمين في السلطنة عن تقديري  للشعب العماني وسمو أخلاقه وكرمه لما يحيط به إخوانه من المملكة من رعاية وحفاوة وصدق في التعاون والتعامل .