سيتطلب الأمر ضغوطاً دولية مستمرة لإنهاء الصراع في اليمن


مثل جميع السعوديين، يؤسفني بشدة ما يعانيه الشعب اليمني الشقيق. لقد تسبب الصراع في اليمن بأزمة إنسانية قبل تدخلنا بوقت طويل، واستمر بالرغم من جهودنا المستمرة لاحتواء عدد الضحايا من المدنيين. يربطنا مع الشعب اليمني علاقات عميقة وروابط قوية، ولذلك يلمسنا بشكل كبير ما خسروه. ومن المؤسف بأنه لم يتم التوصل لحل سلمي يصب في مصلحة الشعب اليمني بعد، وللوصول إلى حل فيجب استيعاب وفهم حيثيات ماحدث.

 

يعد هذا الصراع بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والميليشيات الحوثية المسلحة والمدعومة من إيران. وقد تدخلت المملكة لدعم الحكومة اليمنية الشرعية وبالاستناد على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ضد حركة الحوثيين التي قامت بقوة السلاح لإسقاط الحكومة الشرعية. ومنذ ذلك الحين، حاولنا عدة مرات بأن نجلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات لإيجاد طريق ينهي الصراع.

 

لقد أطلقنا هذا الأسبوع مبادرة أخرى لإحلال السلام، وتقديم عرض آخر لوقف إطلاق النار. نحن جادون في المبادرة لأننا نعلم بأن هناك تهديد حقيقي بالمجاعة في اليمن. لكن العالم يحتاج أيضًا إلى فهم العقبات التي يجب تجاوزها.

 

أولاً: بادرنا في الماضي من جانب واحد إلى وقف إطلاق النار، بما في ذلك عندما بدأت جائحة كورونا في التأثير على منطقتنا. شعرنا بمسؤوليتنا تجاه المتطلبات الإنسانية الهائلة التي يفرضها الوباء، حيث أننا كدولة متحضرة لا يمكن أن نفعل غير ذلك. لكن في الواقع، كان لوقف إطلاق النار تأثير كارثي في اليمن، حيث أن الحوثيين استغلوه لشن حملة عسكرية عدوانية، والاستيلاء على مزيد من الأراضي من الحكومة المنتخبة ديمقراطياً بالإضافة إلى تشريد العديد من اللاجئين.

 

هذه المرة، نحن على استعداد لدعم فتح كل من ميناء الحديدة ومطار صنعاء، بشرط التزام الحوثيون ببنود اتفاقية ستوكهولم المتعلقة باستخدام الميناء. كما يجب ايضاً على عكس ما قاموا به سابقا، الالتزام بوقف انشطتهم العسكرية العدوانية في المنطقة.

 

ثانياً: بينما نتفهم دوافع الإدارة الأمريكية في رفع تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، إلا أنه كان لها حتى الآن عكس التأثير الذي كانت تتمناه الولايات المتحدة. يبدو أنه شجع الحوثيين على شن هجوم عسكري جديد آخر، مما أدى إلى سقوط المزيد من الضحايا المدنيين. كما أدى إلى موجة جديدة من الهجمات بالطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية على مملكتنا، والتي غالباً ما استهدفت بشكل عشوائي أهدافًا مدنية. خلال السنوات القليلة الماضية فقط، تعرضت المملكة لأكثر من ٨٠٠ ضربة صاروخية وطائرات بدون طيار. وبذلك يتضح أن الحوثي لن يجلس على طاولة المفاوضات بحسن نية دون ضغوط مستمرة من المجتمع الدولي.

 

هناك من يقول إنه يجب على المملكة أن تنسحب ببساطة بعد ست سنوات من الصراع الذي لم يتم حله. أود أن أجيب هؤلاء الأشخاص إن المغادرة أصعب من الوصول؛ لا يزال هناك أكثر من 2000 جندي أمريكي في أفغانستان اليوم، بعد ما يقارب عشرين عامًا من تواجد أمريكا لأول مرة هناك. نحن بحاجة إلى أن نكون واقعيين بشأن ما سيحدث إذا غادرنا من جانب واحد. لن ينتهي الصراع، لكنه سيدخل مرحلة أكثر دموية مع زيادة عدد الضحايا المدنيين، وغالباً لن تتمكن المساعدات الإنسانية التي تتدفق حاليًا إلى المنطقة في الاستمرار بذلك.

 

تمامًا كما شعرت أمريكا بواجب أخلاقي للحفاظ على حضورها في أفغانستان والعراق، تدرك المملكة العربية السعودية أنها لا تستطيع في هذه المرحلة الابتعاد عن الالتزام الذي قطعته على نفسها تجاه الشعب اليمني الشقيق. وبالرغم من الحاجة للحصول على المزيد من المساعدات الإنسانية العاجلة وخاصة في شمال اليمن الذي تضرر بشكل كبير. إلا أنه من المهم تقدير ما قدمناه حتى الآن بمبلغ يقارب ١٧ مليار دولار أمريكي مقدمة من المملكة إلى اليمن الشقيق. مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية يعمل مع ٨٠ شريك على سلسلة من المشاريع الإنسانية بقيمة ٣.٤ مليار دولار؛ تبرعنا بقيمة ٤٢٢ مليون دولار من النفط للحكومة اليمنية لتتمكن من استمرار تشغيل محطات الطاقة؛ انفقنا ١٠٠ مليون دولار لإزالة الألغام الأرضية بينما الحوثيون يستمرون في زراعتها؛ أودعنا ٢.٢ مليار دولار في البنك المركزي اليمني لتمويل الإمدادات الغذائية والمدارس والمستشفيات وغيرها من الخدمات الأساسية.

 

من الواضح أننا نبذل جهدنا، ونحن نعمل مع الأمم المتحدة كجزء من الجهود الدولية لتقديم المزيد من المساعدات إلى المنطقة، ولكن ما يعيق ذلك هو رفض الحوثيين بقبول هدنة وقف إطلاق النار. مملكتنا عازمة على إعادة الاستقرار والازدهار والأمن إلى اليمن، وقد بذلنا جهودًا متكررة وحازمة للقيام بذلك، بما في ذلك مبادرة وقف إطلاق النار الأخيرة. إلا أن الحوثيين حتى الآن لم ولن يظهروا الإرادة أو الرغبة بالسعي نحو السلام ما لم يكن المجتمع الدولي مستعدًا في نفس الوقت لممارسة الضغط على الحوثيين لتحقيق ذلك.


رابط المقال على صحيفة التلغراف:

https://www.telegraph.co.uk/news/2021/03/29/will-take-sustained-international-pressure-bring-end-conflict/amp/