في البداية..  أود أن أتقدم بشكري إلى الأكاديمية الدبلوماسية الدولية لهذه الدعوة والى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لهذا الاستقبال. اسمحوا لي أن أشكر أيضا معالي السفير الدكتور خالد العنقري لحضوره معنا اليوم وسعادة السيد جان كلود كوسران مدير عام الأكاديمية الدبلوماسية الدولية.

لا أخاطبكم من هذا المنبر بصفتي أمير أو موظف سابق أو رئيس مركز أبحاث وإنما كمواطن من بلد يتعرض باستمرار وبشكل غير عادل لتحاليل متحزبة وطائفية ومستعجلة وكثيرا ما تصدر أحكام ضد بلدي من زاوية مانية.

أتوجه اليوم إليكم كمواطن يريد أن تتجلى الحقيقة حول بلده وتصحيح مفاهيم خاطئة تم تداولها من بعض الأشخاص لم يزوروا بلدي قط ولا يعرفون عنه شيئا.

وعلى عكس الصورة الموغلة في العصور الوسطى التي يرسمها هؤلاء حول بلدي، أريد إظهار حقيقة وماهية الدولة الوطن التي تتطور تدريجيا وبوتيرة ثابتة وتلعب دورا هاما في الجيوسياسة الحديثة.

وللرد على اتهامات مساندة الإرهاب ومساندة المجموعات التي تعمل ضد الدول، أريد القول وبحق أن بلادي قوة إقليمية تعمل بمفردها وضد كل التيارات المعادية، وتعمل برصانة وتأني على حماية الدول العربية والإسلامية ضد كل محاولات زعزعتها، وفي الكثير من الأحيان

وعندما يصفنا هؤلاء أمام المجتمع الدولي بأننا "المشكلة الرئيسية" أو أن "المملكة تهز العالم"، أريد الرد قائلا بأن المملكة مصدر خير وعطاء للعالم أجمع وارض مقدسة سخية.

سيداتي، سادتي

 هذه حقائق أردت تسليط الضوء عليها لكي أضع نصب اعينكم صورة مغايرة عن بلدي العزيز لعلها تكون أكثر دقة وصدقية.

في مستهل الكلام، أود أن أوضح لكم لماذا تُعد المملكة عنصرا أساسا في التوازن الدولي. في السياق الوطني السعودي، الدين الإسلامي هو، حسب ما قال الأديب والمفكر الفرنسي ارنست رينان في كتابه "ما هي الأمة"، دأبُنا ومشورتنا اليومية.

هذا يعني أن الإسلام في قلب الهوية السعودية ولن يغادرها إلى الأبد. لأنه، وكما قال رينان "الأمة هي روح ومبدأ روحاني". فقد اقترن الإسلام بهويتنا وسيواصل تجسّده كركيزة أساس والروح والمبدأ الروحاني للأمة السعودية.

الإيمان الحالي والرغبة في العيش مع الإيمان أيضا في تعزيز هذا الإرث الذي عَبَرَ الأزمنة واستقر في جوفنا، كل هذه المبادئ التي تحدد مفهوم الأمة حسب ارنست رينان، تنبع، بالنسبة للمملكة العربية السعودية، من الدين الإسلامي. هذا التجمع الكبير في شبه الجزيرة العربية للمسلمين والمسلمات قلباً وفكراً، نتج عنه ميلاد وعي إسلامي ووطني اسمه المملكة العربية السعودية.

على الصعيد الإقليمي، الإسلام هو مصدر الأنظمة السياسية في كل الدول العربية دينية كانت أم علمانية أو خليط من الاثنين وذلك فقا للتاريخ الخاص بكل دولة وبكل مجتمع. وتستمد كل هذه الدول من الإسلام نفس الحماس الذي قاد العرب إلى توحيد الشرق الأوسط بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

لقد كتب ميشيل عفلق وهو سوري مسيحي فرانكفوني وأحد كبار المفكرين المتخصصين في العروبة أن الإسلام "هو عنصر أساسي في الحضارة العربية". هذا الدين الذي نزل في ارض عربية، على نبي عربي وباللغة العربية. انه عنصر أساسي في التراث المشترك للمجتمعات العربية. الوعي العربي، إن كان يهوديا أو مسيحيا أو مسلما أو غيره يبقى دائما، حسب ميشيل عفلق، "جسداً روحه الإسلام".

اليوم، وبعد مضي نصف قرن تقريبا على وفاة عفلق، ما زالت المجتمعات العربية تجد في الإسلام "طاقة حيوية" و"القوة المستمرة" للحضور والكينونة على مستوى الساحات السياسية والإقليمية والدولية.

وهكذا يبدو أن الإشارة إلى الإسلام لا تتعارض مع الإشادة بمفاد الديانات الأخرى أو إسهامات التيارات غير الدينية في العالم العربي الحديث. ويجب فهم الارتباط بالدين الإسلامي على أنه ارث وطني وثقافي مشترك بعيدا عن التدين أو الانتماء إلى الدين، فالحقيقة "الإسلام هو أفضل تعبير للرغبة في الخلود وعلى كونية العالم العربي. فهو عربي في الحقيقة وهو كوني في مبادئه".

المملكة العربية السعودية التي أنتمي إليها هي في قلب الدين الإسلامي. على الساحة الدولية، أرست المملكة العربية السعودية محاور حقيقية للحوار بين الأديان، ففي لقاءهما التاريخي في الفاتيكان في عام 2007، شرح الملك عبد الله للبابا بولس السادس عشر، الذي أبدى موافقته، مشروع إنشاء مركزا عالميا للحوار بين الأديان وتم إنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات. وقد إلتقت الرؤيتان الحكيمتان في ضرورة وأهمية صون مسيحيي الشرق.

منذ عام 2012، افتتح هذا المركز مقره في مدينة فيينا وقد اختيرت هذه المدينة لمساهماتها الكبرى في الحضارة الإنسانية. ويعمل هذا المركز على تعزيز التفاهم المتبادل والتعاون واحترام الاختلاف والتنوع والعدل والسلام. وهو منظمة دولية إشترك في تأسيسها النمسا والمملكة العربية السعودية واسبانيا والفاتيكان.

ويتكون مجلس إدارته من تسعة أعضاء: ممثل عن الهندوسية وعن اليهودية وعن البوذية وثلاثة ممثلين عن المسيحية وثلاثة ممثلين عن الإسلام ومائة شخص من أتباع مختلف الديانات وممثلي منظمات ثقافية ودولية.

تتموضع المملكة في طليعة الدول المبادرة في تقديم المساعدات لشعوب دول العالم كلما دعت الحاجة. فبين عام 1973 و2010، كانت المملكة من أكثر الدول سخاء في تقديم المساعدات من اجل التنمية حيث خصصت 1،5% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا التضامن يتسق مع أحد أركان الإسلام الخمسة وهو الزكاة. ففي المملكة، يساهم المواطنون وحتى غير الميسورين في حملات تبرع يدعو إليها أحيانا الملك أو أفراد من الأسرة الحاكمة أو من بعض الجمعيات الخيرية الناشطة والتي تشرف عليها وزارة الداخلية.

وتلتزم المملكة العربية السعودية أيضا بإعادة تأهيل من وقع في فخ التطرف. فمنذ عام 2004، يفرض مركز الأمير محمد بن نايف، ومقره بضواحي مدينة الرياض، على قدامى المتطرفين إتباع برنامج إعادة تأهيل أو ما أفضل بتسميته "إعادة التعرف على الإسلام" أو إعادة الأسلمة. ويتم تأهيل المقاتلين المتطرفين السابقين وفق برنامج يعيدهم للطريق الصحيح ويشرف على التأهيل كبار العلماء السعوديين ممن شوّه وحرّف هؤلاء المتطرفون كلامهم في غالب الأحيان. مشاركة العلماء هي مشاركة قيمة وفعالة بشرحهم للنصوص والمصادر التي حرفها المتطرفون. في الواقع، هم يستبدلون الخطاب الإرهابي بخطاب الإسلام الصحيح، خطاب متسامح وروحاني ومتعدد. كما يتم إعطاء الكلمة في هذه الدورات لمشاركين سابقين في هذا البرنامج كي يتسنى لهم تقديم خبراتهم للمشاركين الجدد.

ففي سنتين، شارك في هذا البرنامج 3000 متطرف سابق في برنامج "إعادة الاسلمة" الذي يهدف إلى تقديم رؤية وإجابة شاملة للعوامل السياسية والنفسية والدينية والاجتماعية الاقتصادية التي كانت سببا في تطرفهم.

تحدثت عن الدين، فماذا عن السياسية؟ 

المملكة العربية السعودية هي، إن جازت المقارنة بتاريخ فرنسا، أكثر "أورلياني" (ملكية دستورية فرنسية قائمة على مبدأ رضى الشعب) منها "شرعانية" (مساندة النظام القائم بشكل مطلق وغير المشروطة). عادة ما تم تقديم الانتخابات البلدية السعودية الثلاث التي جرت في القرن الـ21 على أنها بمثابة محاولات لـ"دمرقطة" (إضفاء الديمقراطية) و"تحديث" المجتمع السعودي، محاولات عجّلتها انتفاضات الربيع العربي سنة 2011.

لكن واقع العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن في المملكة هو أكثر مفارقة. حقوق ومسؤوليات الدولة والمواطنين، في الواقع السعودي، ترتكز على المفهوم الإسلامي للشورى، بمعنى (ممارسة) الحكم بالإجماع. لعلنا نتطرق إلى بعض الأمثلة حول ذلك:

الانتخابات البلدية التي جرت في القرن الـ21 هي بمثابة حصيلة لما يزيد عن قرن من التطورات المؤسساتية والسياسية داخل المملكة. وهذه التطورات تستمر بشكل طبيعي على غرار التطورات التي أدّت إلى الجمهورية الخامسة والديمقراطية الفرنسية المعاصرة والتي لم تنبثق بشكل مباشر من ثورة سنة 1989 بل أتت نتيجة مئات السنين من التطوُر، ومن الأخطاء وخاصة من تراكم التجارب والخبرات. وإن لم أكن على خطأ، المرأة الفرنسية لم تحصل على حق التصويت إلا بعد 155 من تأسيس الدولة الفرنسية الحديثة بينما لم تنتظر المرأة السعودية في بلدنا إلا 81 عاما.

على الصعيد التاريخي، المملكة العربية السعودية تتكوٌن من قبائل بدوية مجمٌعة، تحكمها أعراف وتقاليد عشائرية قديمة، ومن مراكز عمرانية على أطراف الإمبراطورية العثمانية. ثم تقدّمت في اتجاه الدولة-الوطن، الموحدة سياسيا وإداريا وذات مواطنة واحدة.

بهذا الخصوص، تطوّر مجتمعنا بشكل يشبه تطوّر فرنسا في محيطها الغربي، أو تطوّر المغرب أو مصر، أكثر مما يشبه دول ما بعد الاستعمار الشرقية.

إصلاحات سنة 1992 الدستورية في عهد الملك فهد، لم تكن سوى عتبة جديدة ضمن مراحل التطوّر السياسي الداخلي. وأدّت، بعد عقدين ونصف من الزمان، إلى اعتماد حكم البلديات على أساس مبدأ الإجماع وخلصت إلى تنظيم الانتخابات البلدية سنة 2005 ثم سنة 2011 وسنة 2015. كما منح الاقتراع الأخير (اقتراع سنة 2015) حق التصويت للسيدات السعوديات، وللشباب السعودي فوق الـ18 عاما من العمر.

كما تجدر الإشارة إلى الإصلاحات البرلمانية، أي مجلس الشورى السعودي سنة 2011. أقر بأن يكون 20 بالمائة من النواب إناثا. وهذه النسبة من النساء في المؤسسات التشريعية لا مثيل لها في العالم العربي والإسلامي.

وهكذا تسير الإصلاحات السياسية في بلادنا بوتيرة عملية وتواكب عملية إحلال المركزية. وتتسق هذه الإصلاحات في القطاعات السياسة الداخلية مع القضايا المطروحة على الساحة وتواكب توسّع البُنيات الأساسية وارتفاع الكثافة السكانية إضافة لتطوّر الازدهار الاقتصادي وارتفاع متطلبات المواطن السعودي.

 

ماذا عن السياسة الإقليمية؟

وجدت المملكة العربية السعودية نفسها، بعد الثورات العربية في شتاء سنة 2010 وربيع 2011، ورغما عنها، في موضع حامي الحمى للأنظمة العربية وصوت الشعوب العربية على الساحة الدولية. وبصفتها كفيلة الاستمرارية في الدول العربية، تنتهج المملكة العربية السعودية سياسة الاعتدال، بمعنى أنها اتبعت سياسة لا ثورية ولا مناهضة للثورات. بل، وبالمصطلح الأورلياني "فيا ميديا" (وسطية): سياسة تدعم الحكومات التي تحترم كرامة شعوبها.

 

وقد تجلّت هذه السياسة في دعم نظام محمد مرسي إلى أن قوبل برفض الشعب المصري، ثم في دعم خلفه عبد الفتاح السيسي. كما تبلور الموقف أيضا في دعم قوات الجيش السوري الحر وقادته العلمانيين في مواجهة التهديد المزدوج المتمثل في نظام بشار الأسد وما يسٌّى "الدولة الإسلامية" أو داعش، التي أفضّل أن أسميها "فاحش".

 

جوهريا، تدعم المملكة أيّ حكومة عربية تحترم وتضمن كرامة مواطنيها، وأمن شعبها والوطني وازدهاره. لهذا الغرض ساندت المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي الحوار الوطني اليمني في مواجهة الثورات ضد الطاغية السابق علي عبد الله صالح. وذلك هو سبب الدعم السعودي لحكومة عبد ربه منصور هادي اليمنية الشرعية ضد الحوثيين الطائفيين الذين تدعمهم إيران وتنظيم القاعدة.

تكرّر إيران في اليمن ما حاولت أن تفعله في العراق أو في لبنان، أي محاولة إضعاف حكومة بلد عربي ذي سيادة بهدف إقامة هلال محيط يتشكل من دول عربية ضعيفة تخدم حُلمها في عودة إمبراطورية فارسية تمتدّ إلى البحر الأبيض المتوسط. وبنفس الطريقة التي ندعم بواسطتها حكومة لبنان وحكومة العراق ضد الميليشيات الطائفية التي تدعمها طهران، نحن ندعم كفاح اليمن من أجل الاستقلال والسيادة. وسندعم أي شعب أو بلد عربي يناضل ضد التدخل الأجنبي سواء كان تدخلا فارسيا أو روسيا أو غيره.

 

وفي فلسطين، المملكة تُعد أول المدافعين عن الحكومة الشرعية الفلسطينية وتقوم بواجب الناطق بآمال الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية. ولا ننسى أن المملكة العربية السعودية كانت مصدر مبادرة السلام العربية التي اقترحها الملك عبد الله. وهذه المبادرة هي أصل الوثيقة المرجع في جامعة الدول العربية.

وبالإضافة للدعم السياسي الذي تقدمه للدولة الفلسطينية ضد الميليشيات المسلحة كالجهاد الإسلامي المدعوم هو الآخر من طرف إيران وضد الاحتلال الإسرائيلي، تقدّم المملكة دعما ماليا أساسيا لهذه الدولة.

سيداتي سادتي،

اسمحوا لي أيضا أن أقدّم لكم المملكة المبادرة إلى الخير.

بلادنا هي أحد أكبر المساهمين في العمليات الإنسانية الجارية برعاية الأمم المتحدة. خلال عام 2014، منحت المملكة العربية السعودية مساعدات قدرها 736 مليون دولارا. وخلال الفترة بين 2000 و2010، كانت المساعدة الإنسانية السعودية في ارتفاع مستمر. حيث بلغت 346.8 مليون دولار سنة 2010 بعدما كانت في حدود 11.7 مليون دولار سنة 2000.

ومن جانب آخر، لا تقتصر المساعدة السعودية على الشعوب الإسلامية فقط، بل شملت أيضا ضحايا المد البحري (تسونامي) في اندونيسيا سنة 2004، وضحايا إعصار كاترينا في ولاية لويزيانا سنة 2010، وضحايا الزلزال في هاييتي شهر يناير 2010 (دفعت المملكة 50 مليون دولارا للأمم المتحدة لصالح هاييتي).

وأخيرا، ومن خلال ضخ مليارات الدولارات في المصارف المركزية لكل من مصر، وتونس، ولبنان، واليمن، انتهجت المملكة العربية السعودية شكلا خليجيا بحتا في مجال المساعدة، أي مساعدة دون شروط مسبقة وتضع المسؤولية الكاملة في كيفية استخدام وتوزيع الأموال على عاتق الأنظمة المستفيدة.

 

أين هي إذا تلك المملكة "التي تهزّ العالم؟"

يزعم "الخبراء" الذين يدعون معرفة بلادي معرفة جيّدة، أننا قد نكون "أكثر داعشية من داعش"، و"مملكة وهابية" بربرية من القرون الوسطى. ومنهم من يريد إلصاق علامة "داعش البيضاء" بنا.

يعاني العالم العربي المعاصر للأسف من التواجد القوي لما يسمونه التحليل الاجتماعي السياسي المانيكي، تحليل يحاول دائما صبّ "اللوم" على الطرف الآخر. فهذا الآخر هو المسؤول عن كل العلل، عللٌ ليس لدينا فيها أي مسؤولية. وهذه الجدلية نجدها في القومية الناصرية وأيضا في الإسلاموية السياسية التي ينتهجها إسلاميون يدّعون الأصولية.

وهاتين الإيديولوجيتين الفاشيتين (الواحدة قومية "عنصرية"، والأخرى قومية "دينية")، لم تقدم للشعوب العربية لا الكرامة، ولا الأمن أو الرفاهة التي من شأن نظام منطقي عقلاني (براجماتي) أن يقدمه وهذا جل ما تتمناه المملكة للدول الشقيقة في العالم العربي. ولأجل هذه الكرامة وهذا الأمن والرفاهة، ستواصل المملكة كفاحها للسعوديين ولكل العرب.

النظام الملكي السعودي ليس نظاما دينيا مطلقا كما كان النظام الملكي الفرنسي السابق. فهو يستمد أصالته من إرادة الشعب ويتجدّد ببيعة الشعب، مواطنين وأمراء، لقائد الدولة ورئيس الحكومة. إنه بالفعل نظام دستوري مستوحى من الشريعة الإسلامية والإجماع الوطني، وليس نظاما يسيطر عليه نفوذ الملك، العاهل المطلق. ولكن يتم عادة تجاهل هذا الواقع لصالح صور من محض الخيال يُفضلونها ببساطة على حقيقة عادة ما تكون أكثر تعقيدا وتتطلّب جهدا من الفهم والتسامح لثقافة ونمط من الحياة يختلف عن نمط حياتنا.

ليست المملكة العربية مملكة تغطّ في القرون الوسطى وليست بربرية، وليست أيضا ديمقراطية غربية. المملكة العربية السعودية هي أولا عربية. كانت كذلك، وهي كذلك، وستظل كما هي. مصيرها سيظل بين أيدي شعوبها وليس في أيدي أطراف أخرى سواء كانت مسلمة أو غربية.

وكما وعدتُ في بداية المداخلة، لم أتوجه إليكم اليوم كأمير بل كمواطن بلد ساء فهمه بشكل مريع.

آمل أن تكون لديكم الآن رؤية أكثر وضوحا للمملكة العربية السعودية التي أعرفها. مملكة يحبها شعبها، وشريكة أساسية في مكافحة التطرّف والإرهاب الذين يضربون أولا الشعوب العربية والإسلامية (بمن فيهم السعوديين).   

شارك السعوديون حزن الفرنسيين بعد هجمات باريس المريعة في السنة الماضية، كما بكوا إثر الهجمات على المساجد الشيعية في بلادنا.

تحدثتُ إليكم من صميم قلبي عن هذه المملكة التي لا تهز العالم، بل إنها مصدر الحسنات لمجموعة الدول. وحاولت أن أرسم لكم ملامح أرضنا المقدسة ومملكتنا الإنسانية فاعلة الخير.

وأترك لكم الآن مهمة أن تفتحوا قلوبكم لبلدي العزيز، لتفهموه مع كل التعقيدات المرتبطة بماضيه، بحاضرة وبما سيكون مستقبلا.

                                                                                  شكرا جزيلا.