الذكرى ال 95 لعلاقات الصداقة والتعاون بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية

بمناسبة الذكرى الخامسة والتسعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وموسكو والتي نحتفل بها هذا العام، اود الإشارة الى عمق العلاقات السعودية الروسية ومتانتها على كافة الأصعدة والمجالات، إن هذه الذكرى تعتبر مناسبة طيبة من أجل التأمل حول تاريخ العلاقات بين البلدين الصديقين ووضعها الراهن وآفاقها.
ان تاريخ العلاقة بين البلدين يعود الى عام 1926م حيث كان الاتحاد السوفييتي أول دولة تعترف بالمملكة في عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله، وتم تعيين السفير/ كريم حكيموف مبعوثا لبلاده، وكان هناك تبادل للرسائل بين حكومتي البلدين شكلت بداية التواصل الرسمي بينهما وتوج هذا التواصل في عام 1932 م حين قام الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمة الله، عندما كان نائبا للملك في الحجاز ووزيرا للخارجية بزيارة تاريخية كأول زيارة لمسئول سعودي حيث فتحت هذه الزيارة مرحلة من تنامي العلاقات بين البلدين.
وفي عام 1990 بدأت مرحلة جديدة من العلاقات بزيارة سمو الأمير سعود الفيصل رحمه الله، وزير الخارجية آنذاك لموسكو حيث صدر بيان مشترك أعلن فيه البلدين استئناف العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفارات.
وتطورت العلاقات الثنائية بين البلدين بصورة إيجابية تمثلت في زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله (حينما كان وليا للعهد) إلى موسكو عام 2003 م، تبعها زيارة فخامة الرئيس فلاديمير بوتين الاولى للمملكة عام 2007م.
وقد شهدت العلاقات الثنائية بين البلدين نقلةً نوعية ومرحلة تنامي الثقة مع زيارات صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد حفظه الله، خلال الفترة 2015، 2016 ،2017 التي أسست لمرحلة جديدة في العلاقات. تبعها العديد من الزيارات المتبادلة بين المسئولين والمختصين في الجانبين وتوجت هذه الجهود بالزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، في أكتوبر 2017م، وهي أول زيارة لملك سعودي إلى موسكو، إذ كانت ذروة الديناميكية الإيجابية للعلاقات السعودية - الروسية وشهدت استقبالا واحتفاء مميزا من فخامة الرئيس فلاديمير بوتين، كما تم في الزيارة توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم. وغدت زيارته حفظه الله ومباحثاته مع فخامة الرئيس الروسي دفعة قوية من أجل تطوير العلاقات الروسية - السعودية.
 بعد ذلك شهدت العلاقات مرحلة تصاعد حيث ازدادت الزيارات المتبادلة، وكان أبرزها زيارة فخامه الرئيس فلاديمير بوتين للمملكة في أكتوبر 2019م، بوفد تضمن عدد من كبار المسئولين ورجال الأعمال وتم في الزيارة توقيع مجموعه أخرى من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وقد وفرت هذه المجموعة من الاتفاقيات والمذكرات الموقعة بين الجانبين إطارا قانونيا واضحا للتعاون والتنسيق بين البلدين في مختلف المجالات.
وفي اطار مجموعه العشرين قام البلدين بدور واضح وجهد ملموس لتحقيق اهداف المجموعة انطلاقا من مكانة واهمية البلدين دوليا، وقد دعمت الشراكة الدولية التي جمعت قيادتي البلدين في مجموعه العشرين العلاقات الثنائية وكذلك في إطار اعمال المجموعة، حيث حرص البلدين على استثمارها في اجراء المزيد من المشاورات والتفاهم المشترك وقد جرى لقاء في قمة مجموعه العشرين عام 2015 بين خادم الحرمين الشريفين حفظه الله و الرئيس بوتين وكذلك لقاءات صاحب السمو الملكي ولي العهد حفظه الله بالرئيس بوتين في قمم اليابان والارجنتين والصين. 
وخلال فترة رئاسة المملكة لمجموعه العشرين عام 2020م كان من أبرز المشاركات مشاركة فخامة الرئيس فلاديمير بوتين في القمة الاستثنائية الافتراضية لقادة المجموعة التي عُقدت برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله في شهر مارس وكذلك مشاركة فخامته في قمة المجموعة التي عقدت افتراضيا في مدينة الرياض في شهر نوفمبر عام 2020م للتنسيق لمواجهه هذا الوباء دوليا.
ان العلاقة الثنائية بين البلدين تشهد تطورا في كافة المجالات فبالإضافة الى الزيارات التاريخية بين قيادتي البلدين هناك مبادئ رئيسية تلتقي فيها المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية منها احترام الشرعية الدولية وسيادة واستقلال ووحدة الدول وعدم التدخل في الشئون الداخلية والاحترام المتبادل ورفض ازدواجية وانتقائية المعايير وهناك تبادل للآراء والتنسيق حول القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الجانبين.
وفي إطار التعاون الاقتصادي فقد تطورت العلاقات بين البلدين خلال السنوات الأخيرة وازداد معدل التبادل التجاري حيث بلغ عام 2019 ما يقارب المليار ونصف دولار، وقد توفرت في الأعوام الأخيرة ظروف طيبة من أجل نجاح تطور العلاقات بين البلدين في المجال التجاري والاقتصادي والعلمي، وبالرغم من أن التبادل السلعي بين البلدين لم يرتق للطموحات ولا يتفق مع القدرات الكامنة لدى كلا البلدين، فقد انبثق الاتجاه نحو زيادته.
وفي مجال الطاقة يعتبر البلدين من كبار منتجي النفط في العالم مما جعلهما يقودان الجهود الدولية لاستقرار سوق الطاقة العالمي عبر اتفاق أوبك + الذي ترعاه قيادتي البلدين وتدعمه


وفي المجال الثقافي شهدت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله لموسكو عام 2017 م إقامة فعاليات الأسبوع الثقافي السعودي في روسيا التي ضمت العديد من الأنشطة والفنون والرقصات والاكلات الشعبية من مختلف مناطق المملكة، كما اقامت المملكة ممثلة في وزارة الثقافة معرض ثقافات روسيا عام 2019 م بالتزامن مع زيارة الرئيس بوتين الى المملكة للتعريف بالثقافة الروسية وتوثيق جسور التواصل بين البلدين، وكان من اهم فعالياته عرض لوحات فنية لفنانين من البلدين واهم الأفلام الروسية وإقامة فعاليات فنيه. كما شاركت المملكة في المنتدى الثقافي الدولي الذي سبق وان شارك فيه سمو وزير الثقافة بمدينة سانت بطرسبورغ عام 2018م وكذلك عام 2019م وحضر فيه الرئيس الروسي 
كما تتخذ الخطوات في مجال تنشيط التعاون الثنائي في مجال التعليم العالي، ويقدم الجانبان إلى أحدهما الآخر المنح الدراسية من أجل تلقي التعليم في المعاهد العالية والجامعات الدولية في البلدين.
وفي مجال مكافحة الإرهاب هناك جهود وانجازات لكلا البلدين، وهناك موقف واضح من البلدين تجاه رفض الإرهاب ومحاربته أيا كان مصدره ودوافعه، كما ان هناك تعاون ولقاءات بين المختصين في البلدين في سبيل مواجهة هذه الظاهرة الدولية.
ولتعزيز ورفع مستويات التعاون بين البلدين أنشئت لجان مشتركة بينهما كاللجنة الاقتصادية السعودية الروسية التي عقدت اجتماعها الأول برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز لي العهد حفظه الله، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك اللجنة السعودية الروسية المشتركة المعنية بالتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي التي تأتي امتداداً للجان السابقة وهي تمثل دافع جديد لتتوافق مع المشروعات الوطنية الروسية ورؤية المملكة 2030م بحكم التشابه بين الخطط.
أن العلاقات السعودية الروسية تستند إلى قاعدة صلبة من الثقة بين القيادتين، والاحترام المتبادل، وتنمية التعاون في مختلف المجالات بما يحقق المصالح المشتركة. وتشهد تطورا ملموسا على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية وغيرها، بناء على الإسهامات والتوجيهات الملموسة لقيادتي البلدين الرامية إلى توثيق هذه العلاقات، وستشهد المرحلة القادمة الاستمرار في تطور هذه العلاقات فالمملكة العربية السعودية وشعبها يكنون لروسيا الاتحادية وشعبها الصديق كل تقدير واحترام، كما ان كلا البلدين يحرصان على مراعاة المصالح المتبادلة وفق التفاهم التام الذي شهدته العلاقات الثنائية في السنوات الماضية.

مقال سعادة السفير عبدالرحمن بن سليمان الأحمد سفير خادم الحرمين الشريفين 
لدى روسيا الاتحادية وجمهورية بيلاروس